مقالات

محمد صبحي.. المكشوف عنه الحجاب بالفن

كتبت: ايه يوسف

محمد صبحي ليس للترفيه

سباح ماهر ضد تيار الترفيه.. وأعماله تنبأت بالمستقبل وطورت المجتمع

ربما قد يكون سهلًا أن يمتهن أي شخص مهنة فنية ببعض من التعليم الأكاديمي أو الصدفة أو بأسباب أخرى،

ويُناديه الناس بالفنان، لكن هل هذا الشخص فنان فعلًا؟

هذا السؤال يأخذنا إلى سؤال آخر وهو ما معايير وصف إنسان بالفنان؟

بنظرة عملية وبعيدًا عن الآراء الشخصية وبالتحلي بالعدل، يجب أن يكون التقييم هنا استنادًا إلى الإنتاج الذي

يقدمه الشخص، على أن نضع هذا الإنتاج تحت تقييم القاعدة التي تقول: “الفن الجيد ليس ما يبدو في ظاهره

بل ما يفعله في حياتنا”.

هذه القاعدة تأخذنا لا إراديًا إلى الفنان محمد صبحي.

 

لأنه استنادًا إلى هذه القاعدة سيستحق لقب فنان مع مرتبة الشرف، بسبب التأثيرات التي أحدثتها أعماله في المجتمع وفي حياتنا، إذ أن هناك الكثير من أعماله استطاعت أن تفرض نفسها كبروتوكولات لتغيير الواقع.

تفوق “صبحي” ليس فقط بقدرة أعماله على تغيير حياتنا للأفضل، بل كانت لديه فراسة فنية، تستشرف المستقبل وتراه وتحذر الناس، فيما تضع أعماله خارطة الطريق نحو اتقاء شر الخطر القادم من المستقبل.

تمتعت أعمال صبحي بعين فنية ثاقبة، ترى ما لا يراه العامة، عبر حاسة سادسة عرفت مكامن الخطر وحذرت منه، وفي الوقت ذاته التقت الفراسة الفنية لـ”صبحي” مع إدراك عميق منه لمقولة: “الفن الجيد ليس ما يبدو في ظاهره بل ما يفعله في حياتنا” ليقدم لنا مسيرة فنية من حقه أن يكون فخورًا بها.

 

في مسلسل رحلة المليون، سجل رحلة فلاح مصري بسيط يسعى لتحقيق أهدافه في ظل أمواج متلاطمة من الصعاب،

وبالفعل حقق المليون وقدم سنبل اختراعه وهو “البامبرز” للمحافظة علي البيئة من فضلات الأحصنة، وهو بالفعل ما فعله

أهالي الأقصر وأسوان، ليكون “رحلة المليون” من نوعية الفن الجيد الذي يؤثر في الناس.

استكمل “صبحي” رسالته في الجزء الثاني من المسلسل ذاته، فالفلاح الإيجابي صاحب التأثير أصبح هدفه تعمير الصحراء،

ليقرر الرئيس الأسبق حسني مبارك تغيير قانون امتلاك الأراضي الصحراوية ليسهل امتلاكها على الشباب.

وعلى أرض الواقع، وبفعل تأثير “رحلة المليون” ذهب “صبحي” لأكثر من أرض بالصحراء بدعوة من أصحابها ليجعلوه يرى

بنفسه نتاج أعماله، فقد نجح هؤلاء الشباب في تصدير المحاصيل لأوروبا.

على نفس المسيرة، قدم “عائلة ونيس” (1994) الذي يُعد أيقونة أخلاقية، واعتبرته الأسر العربية كتالوجًا للتعامل مع الأبناء وتربيتهم بالقيم والأخلاق والإيمان ومراقبة الأهل لأنفسهم أيضًا وأفعالهم.

ويرى “صبحي” أن تكريمه الحقيقي هو الذي يراه في عيون الناس حينما يقولون له: “إحنا اتربينا على ونيس”.

تأثير المسلسل لم يتوقف عن حدود الأخلاق والتربية، لكن حينما اضطرت عائلة ونيس للعيش في بيت بحارة بعد أن سقطت العمارة التي كانوا يعيشون فيها، قرر ونيس مع أبنائه أن يجعلوا من الحارة قصرًا بتنظيفها وتجميلها، لتأتي المفاجأة بعد عرض المسلسل، وهي تلقي صبحي دعوة من بعض المواطنين في إمبابة وبولاق لافتتاح حارة هناك بعد تنظيفها وتجميلها على غرار ونيس وأبنائه لنعرف هنا أهمية وقيمة الفن عندما يكون صاحبه مؤمن برسالته وتأثيره.

محمد صبحي

في عام 1997، قدم “صبحي” مسرحية ماما أمريكا، ليسرد لنا ما تفعله أمريكا لتدمر العلاقات بين الأخوة العرب ويمثل

المشهد الأخير فيها معنى تنبؤ الأعمال الفنية بالمستقبل، ففي الوقت الذي تم فيه تفجير تمثال الحرية وحضرت الشرطة

الأمريكية وجهت الاتهام على الفور للعربي الوحيد الذي كان موجودًا، وهو ما حدث على أرض الواقع في أحداث 11 سبتمبر

حينما اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية، العرب بالإرهاب.

 

أيضًا مسلسل فارس بلا جواد عام 2002 حمل تحذيرًا صريحًا مما تكنه أمريكا وإسرائيل للعرب والمتجسد معظمه في بروتوكولات حكماء صهيون، ولذلك عارضت أمريكا وإسرائيل إذاعة المسلسل بقوة، ووصل الأمر إلى حد التهديد بمنع المعونة الأمريكية عن مصر، وأسفرت الضغوط عن حذف 41 مشهدًا من المسلسل عند إذاعته، لكنه أذيع كاملًا على قناة المنار.

 

ولأن العمل كان صادقًا ومؤثرًا، بحث الناس عن بروتوكولات حكماء صهيون وطُبع من هذا الكتاب 2 مليون نسخة،

وكل من قرأ الكتاب عرف ما يخزنه لنا هؤلاء من شرور.

أيضًا على تتر مسلسل فارس بلا جواد كتب عبارة استدعيناها الآن، فقد قال: “منّ يقاوم الاحتلال ليس إرهابيًا”،

وهو القول الذي استدعيناه بعد معركة طوفان الأقصى، حينما أراد البعض أن يوصف الفلسطينيين بالإرهاب.

وفي إطار كشف المؤامرات أيضًا، قدم “صبحي” في أكتوبر ٢٠١٩ مسرحية “خيبتنا” التي تتحدث عن علم الجينات وما

تفعله أمريكاً في خلق الأمراض والفيروسات وجعل فئة معينة من البشر تحمل جينات معينة تُصاب بفيروس هم صانعيه،

وبعد ذلك بسنة فقط، ظهر فيروس كورونا وتوغل.

لتمثل مسرحية خيبتنا تجسيدًا حقيقيًا لما يتمتع به صبحي من فراسة ورؤية فنية ثاقبة.

لم يتوقف دور صبحي وتأثيره عند حد الأعمال الفنية، فبعد ثورة يناير 2011، أطلق حملة المليار لإنقاذ أهالينا في العشوائيات

وتبرع بأول مبلغ في الحساب مائة ألف جنيه وطاف العالم في أمريكا وأوروبا ليلتقي بالجاليات المصرية هناك للتبرع وبالفعل

بني مدينة “معًا” المكونة من ٤٥٠٠ وحدة سكنية ومسرح ونادي ومدرسة بكل مراحلها لسكان العشوائيات وتم نقلهم

بالفعل للمدينة ليعيشوا حياة كريمة.

وسط هذا كله يتفهم محبو صبحي، لماذا يريد البعض أن يسحبه من هذا التوجه الفني ويضعه في دائرة الترفيه،

مُقدمًا في سبيل ذلك فاتورة مليونية.

لم يُدرك هؤلاء -من أهل الترفيه- أن هناك فاصلًا بسنين ضوئية بين الفن الجيد الذي قدمه صبحي على مدار أكثر

من 50 عامًا وأعمال يتوقف تأثيرها مكانيًا عند حد أرجل منّ يُقدمها، وزمنيًا عند لحظتها لا تتجاوزها.

المثير أنه قبل أن يأتي بعض أهل الترفيه إلى الدنيا، كان “صبحي يُقدم شخصية “هاملت”، والتي سجلت اسمه في

الموسوعة البريطانية بـ6 أسطر كونه من أفضل الممثلين في العالم الذين جسدوا شخصية هاملت.

ما سردناه هي تأثيرات لأعمال على سبيل المثال وليس الحصر، ولا يزال في مسدس الفن طلقات سلمية.

هذا هو التاريخ الذي يقول: “من السهل أن تكون من أهل الترفيه أو معهم، ومن الصعب أن تكون محمد صبحي”.