نجوم وفنون

منى زكي تكشف جانبًا غامضًا من حياتها.. لن تصدق ما فعله فريق العمل

كتبت: مريم اسامه

يعتبر فيلم “الست” من أبرز الأعمال السينمائية المصرية التي تناولت سيرة كوكب الشرق أم كلثوم، حيث جاء

إنتاجه في توقيت حساس يعيد تقديم تجربة فنية مصرية خالدة عبر عدسة سينمائية حديثة.

الفيلم من كتابة أحمد مراد وإخراج مروان حامد، وبطولة منى زكي التي جسدت شخصية أم كلثوم، مع الأداء

الصوتي للمطربة نسمة محجوب التي قدمت 12 أغنية ضمن أحداث الفيلم.

الفيلم ليس مجرد سيرة ذاتية تقليدية، بل محاولة لإعادة قراءة التحولات الحضارية والاجتماعية في مصر

منذ أوائل القرن العشرين، حيث صعد المجتمع المصري من ظل الاحتلال العثماني والميراث المملوكي إلى

مرحلة الحداثة والليبرالية والتحرر الفكري والفني، وهو ما انعكس في رحلة حياة أم كلثوم، بدءًا من طفولتها

في قرية صغيرة في دلتا مصر، وحتى وصولها إلى قمة الغناء العربي.

منى زكي

لحظة السقوط: الانطلاقة الدرامية

يعتمد فيلم “الست” على تقنية السرد غير الخطي، والتي تبدأ بـ لحظة سقوط أم كلثوم على المسرح

خلال أدائها لأغنية “الأطلال” في الأولمبيا عام 1967.

هذه اللحظة ليست مجرد حدث درامي، بل نقطة انطلاق لاستدعاء رحلة الذكريات، حيث يقفز الفيلم بين

محطات زمنية مختلفة لإظهار رحلة صعودها، كبواتها، وتأثير المحيطين بها.

يُذكر أن هذه التقنية مشابهة لفيلم “حليم” من إخراج شريف عرفة، حيث يبدأ السرد بلحظة سقوط الفنان، ثم

يستعيد ماضيه عبر ذكريات متشابكة. هذا الأسلوب يمنح المخرج حرية كبيرة في التنقل بين الأحداث، لكنه

في الوقت نفسه يضع تحديًا أمام المشاهد لإعادة ترتيب الأحداث ذهنياً لفهم التسلسل الزمني الكامل.

التركيز على العلاقات الذكورية

أبرز ما يميز فيلم “الست” هو التركيز على علاقة أم كلثوم بالرجال في حياتها، سواء من العائلة، الملحنين، أو

الشخصيات العامة.

حيث تم تصوير كل الرجال في حياتها كعقبات أو تحديات أمام استقلاليتها:

الأب: الذي يرى ابنته فتاة صغيرة حتى بعد تحولها إلى امرأة كاملة الأنوثة، مشهد تحذيرها له من التعدي

عليها هو لحظة تحرر قوية، تعكس قدرتها على الصمود والتصدي للسلطة الذكورية الأولى في حياتها.

الأخ خالد: ظهوره محدود في الفيلم، والمشهد الأبرز معه هو مواجهة حول إدارة الإيرادات، مما يعكس القلق

والتوتر في علاقات الأقارب الذكور.

الشعراء والملحنون: مثل أحمد رامي، محمد عبد الوهاب، وزكريا أحمد، يظهرون أحيانًا بطريقة تقلل من

تأثيرهم، رغم أن تاريخيًا كانوا داعمين لموهبتها وصعودها.

يمكن القول إن الهدف من تصوير الرجال بهذا الشكل هو إبراز قوة المرأة المستقلة التي تستطيع التغلب

على القيود الاجتماعية والنفسية.

منى زكي

الرؤية الإخراجية لمروان حامد

اعتمد مروان حامد على تقنيات بصرية متنوعة لتقديم تجربة سينمائية متكاملة:

التلوين المتغير: يتنقل الفيلم بين الأبيض والأسود والألوان، أحيانًا لتمييز الماضي عن الحاضر، وأحيانًا للدلالة

على القوة أو الضعف النفسي للشخصية.

المونتاج المكثف: القفزات الزمنية المتعددة والفلاش باك داخل فلاش باك أحيانًا تسبب نوعًا من التشوش، وهو

ما أثر على استيعاب الأحداث بسرعة من قبل المشاهد.

الموسيقى التصويرية: رغم أن أغاني أم كلثوم تغطي اللحظة الفنية بشكل كامل، أضاف الفيلم موسيقى

تصويرية في بعض المشاهد، مما خلق ازدواجية صوتية أحيانًا، لكنها محاولة لتعزيز الجو الدرامي.

منى زكي

الأداء التمثيلي لمنى زكي

قامت منى بمحاولة تقمص شخصية أم كلثوم، مع التركيز على التعبير الصوتي والحركي، بالتعاون

مع نسمة محجوب التي قدمت التدريب الصوتي لمدة عام كامل.

هذا التدريب شمل:

مخارج الحروف والنطق الدقيق للأغاني

تعابير الوجه وحركة الشفاه

توظيف الأداء الصوتي ضمن المشهد الدرامي

رغم ذلك، أحيانًا أدى الإصرار على المحاكاة الشكلية إلى كسر الإيهام، حيث لاحظ المشاهد

مقارنة مستمرة بين الأداء التمثيلي والأرشيف الواقعي للشخصية.

منى زكي

التاريخ والدراما: بين الواقع والإبداع

يُظهر الفيلم أن الرؤية الفنية تتطلب توازنًا بين:

الأرشيف التاريخي: الصور والفيديوهات والتسجيلات الصوتية الحقيقية

التقمص التمثيلي: تقديم الشخصية بوجه جديد يعكس إحساس المخرج والمؤلف

الخيال الدرامي: خلق سرد متماسك ومؤثر

الفيلم يعكس محاولة لاستكشاف المرأة في المجتمع المصري الحديث، وقدرتها على الصعود

والتأثير في الوسط الفني والسياسي، رغم القيود الذكورية والتحديات المجتمعية.

الدروس المستفادة من فيلم “الست”

يمكن استخلاص عدة نقاط مهمة من تحليل الفيلم:

قوة السرد غير الخطي: تمنح حرية درامية، لكنها تتطلب قدرة عالية من المشاهد على متابعة الأحداث.

الأداء الصوتي والمعالجة التمثيلية: جزء أساسي في تقديم أي سيرة موسيقية، ونجاحها يعتمد على التوازن

بين المحاكاة والتعبير الواقعي.

استخدام التلوين والمونتاج: يجب أن يخدم السرد وليس أن يخلق تشويشًا أو ارتباكًا.

التركيز على العلاقات الاجتماعية والسياسية: يعكس السياق التاريخي ويضفي عمقًا على الشخصية.

 بين التاريخ والدراما

يبقى فيلم “الست” تجربة سينمائية معقدة تجمع بين توثيق تاريخي جزئي وتجربة درامية غنية، مع التركيز على

رحلة صعود المرأة في مجتمع متغير.

إنه مثال على كيف يمكن للدراما أن تعكس الواقع الاجتماعي والتاريخي، مع ضرورة الانتباه إلى التوازن

بين الأرشيف، التمثيل، الصوت، والسرد الفني.

منى زكي