تأمين

“قطاع التأمين في إفريقيا: ركيزة اقتصادية للنمو المستدام وأداة للتمويل طويل الأجل”

كتبت: ايمان حسن

في ظل التحديات الاقتصادية العالمية والتقلبات الجيوسياسية، برز قطاع التأمين

في إفريقيا كأحد الأدوات المحورية في دعم النمو الاقتصادي، وتعزيز الاستقرار المالي

والاجتماعي، وتوسيع قاعدة الشمول المالي في القارة وقد أظهر التقرير السنوي للاتحاد

الإفريقي للتأمين (AIO) لعام 2024، أهمية الانتقال من التأمين التقليدي إلى نموذج تأمين

تنموي متكامل، يربط بين الخدمات التأمينية وأهداف التنمية المستدامة.

الاتجاهات الاقتصادية وسوق التأمين الإفريقي

 قطاع التأمين أثرت الأزمات العالمية مثل جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا والتوترات في الشرق

الأوسط على أداء الاقتصادات الإفريقية، إلا أن القارة أظهرت مرونة استثنائية وتوقعت

تقارير بنك التنمية الإفريقي أن يرتفع النمو الاقتصادي في إفريقيا من 3.3% عام 2024

إلى 4% بحلول 2026 رغم انخفاض حجم أقساط التأمين في بعض القطاعات، أظهر معدل اختراق

التأمين في إفريقيا لعام 2023 تحسنًا مقارنة بالأسواق الناشئة الأخرى، حيث بلغ 2.4% مقابل 1.7%

عالميًا وهذا يشير إلى إمكانيات نمو هائلة في سوق التأمين الإفريقي، خاصة إذا تم تعزيز الوعي

التأميني وتحسين البيئة التنظيمية.

أهمية التأمين للاقتصاد الإفريقي

يمثل قطاع التأمين عنصرًا أساسيًا في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، من خلال:

توفير التمويل طويل الأجل للمشروعات الحيوية.

دعم البنية التحتية والطاقة والنقل.

المساهمة في إدارة المخاطر السيادية والكوارث الطبيعية.

تقليل الاعتماد على الديون الخارجية.

وقد أشارت الدراسات إلى أن كل زيادة بنسبة 1% في أقساط التأمين كنسبة من الناتج

المحلي الإجمالي يمكن أن تؤدي إلى رفع معدل النمو الاقتصادي بما يتراوح بين 0.4% و0.6%.

واقع التأمين في إفريقيا: تحديات وفرص

 قطاع التأمين رغم التقدم المحرز، يظل معدل اختراق التأمين في إفريقيا منخفضًا مقارنةً بالمعدل

العالمي (3% مقابل 7%). وتعود هذه الفجوة إلى:

انخفاض الوعي التأميني.

ارتفاع معدلات الفقر.

نقص البيانات الدقيقة.

ضعف الابتكار والانتشار الرقمي.

لكن من ناحية أخرى، بدأت التكنولوجيا التأمينية (InsurTech) في تغيير قواعد اللعبة

عبر الهواتف المحمولة والمنصات الرقمية، خصوصًا في شرق وغرب إفريقيا، مما يمهد

الطريق للوصول إلى الفئات غير المغطاة.

 قطاع التأمين: التحول نحو التأمين المستدام في إفريقيا

أصبح التأمين المستدام محورًا رئيسيًا في استراتيجية شركات التأمين الإفريقية،

مع دمج مبادئ البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG) ضمن تغطياتهم واستثماراتهم. ويدعم هذا التحول:

مشروعات الطاقة المتجددة.

إدارة الكوارث المناخية بطرق مستدامة.

تعزيز المسؤولية الاجتماعية لشركات التأمين.

التأمين ودوره في دعم قطاع الأعمال والاستثمار

تلعب المشروعات الصغيرة والمتوسطة (SMEs) دورًا جوهريًا في الاقتصاد الإفريقي

وتمثل أكثر من 90% من الشركات. ويساعد التأمين التجاري والائتماني والزراعي في

تقليل المخاطر التشغيلية، خاصة في ظل التوسع في منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA).

شركات التأمين كمستثمر مؤسسي طويل الأجل

تبلغ أصول شركات التأمين عالميًا نحو 40 تريليون دولار، ما يجعلها قادرة على تمويل

مشروعات البنية التحتية والطاقة طويلة الأجل. في إفريقيا، يمكن أن تكون هذه الشركات

ركيزة أساسية في تنفيذ خطط التنمية المستدامة، خاصة من خلال:

الاستثمار في السندات الخضراء.

دعم المشاريع القومية.

تحفيز الاستثمارات ذات الأثر التنموي.

حلول مبتكرة لمواجهة الكوارث والمخاطر المناخية

أبرز التقرير أهمية التأمين البارامتري كأداة سريعة للتعويض عند تحقق مؤشرات مناخية

محددة، دون الحاجة إلى التقييم التقليدي للخسائر. ويمكن تطبيق هذا النموذج في

دول مثل مصر لحماية المزارعين وتخفيف العبء على المالية العامة.

مصر ودورها المحوري في سوق التأمين الإفريقي

تُعد مصر من أكبر أسواق التأمين في إفريقيا، وتتمتع ببيئة تنظيمية قوية وقطاع تأميني ديناميكي. ويبرز دورها في:

تعزيز الشمول التأميني.

تطوير التأمين الرقمي.

قيادة التحول نحو التأمين المستدام.

 قطاع التأمين دعم التكامل الإفريقي في التأمين، خاصة في مجالات التأمين الزراعي والبارامتري والتأمين متناهي الصغر.

ومن المنتظر أن تترأس مصر منظمة التأمين الإفريقية في 2026، في خطوة تعكس مكانتها الريادية.

وتتضمن خطتها تأسيس مختبر للابتكار في التأمين، وإطلاق برامج تدريبية إقليمية لتأهيل الكوادر.

فرص مصر في السوق الإفريقي

1. منطقة التجارة الحرة الإفريقية (AfCFTA)

فرصة لتوسيع صادرات الخدمات التأمينية، خصوصًا عبر تأمين الائتمان التجاري وإدارة المخاطر السياسية.

2. التأمين الزراعي والمناخي

تصميم حلول تأمين ذكية تعتمد على البيانات المناخية وتقنيات الاستشعار المبكر.

3. التأمين متناهي الصغر والشمول المالي

الوصول إلى العاملين في الاقتصاد غير الرسمي وتحسين مستوى المعيشة عبر منتجات منخفضة التكلفة.

4. الاستثمار في التأمين الأخضر

دعم مشروعات الطاقة المتجددة والبنية التحتية المستدامة من خلال الاستثمارات التأمينية.

5. التعاون في التدريب وبناء القدرات

تحويل مصر إلى مركز إقليمي للتدريب التأميني عبر شراكات مع منظمات إفريقية وعربية.

6. التحول الرقمي

توظيف الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين في تسعير المخاطر، وإصدار الوثائق، وتسوية المطالبات.

نحو نموذج تأمين تنموي إفريقي متكامل

 قطاع التأمين يؤكد التقرير على أهمية تطوير نموذج متكامل لـ التأمين التنموي في إفريقيا، يرتكز على:

تحديث القوانين والتشريعات.

التحول الرقمي الشامل.

تعزيز التعاون الإقليمي بين شركات التأمين.

إدماج أهداف التنمية المستدامة ضمن الخطط الاستثمارية.

تحسين الوصول إلى الفئات المهمّشة والمحرومة.

يمثل قطاع التأمين في إفريقيا فرصة اقتصادية وتنموية ضخمة في ظل التحديات المناخية والاقتصادية

التي تواجه القارة. ومن خلال تحسين البيئة التنظيمية، وتسريع التحول الرقمي، وتعزيز التعاون الإقليمي،

يمكن أن يتحول هذا القطاع إلى ركيزة للنمو المستدام، مع لعب مصر دورًا محوريًا في قيادة هذه المرحلة

الجديدة من التكامل التأميني الإفريقي.