الـ«الدارك ويب».. الإنترنت المُسجل خطر
الـ«الدارك ويب».. الإنترنت المُسجل خطر
الجيش الأمريكي استخدمه لسرية الاتصالات وبعدها توسع انتشاره
عالم كامل من الجريمة عليه ما بين القتل وتجارة الأعضاء والمخدرات
بعض الشباب يبحث فيه عن ذاته.. والفضول الإلكتروني بداية الطريق إليه
من الصعب تعقب مستخدميه والعملات المشفرة تزيد من سريته
علم النفس الرقمي يُظهر أن الاستخدام الواعي للتكنولوجيا يُقلل من تأثيراتها السلبية
يتسع الإنترنت لعوالم لا متناهية ومساحات مترامية بلا حدود، وينطبق ذلك على الشبكة المتاحة للجميع. لكن ماذا لو اكتشفنا وجود عالمين آخرين أكثر عمقًا واتساعًا؟
ما يستخدمه معظم الناس لا يمثل سوى الجزء الظاهر، ورغم ما يحمله من شرور، فإنه مجرد نقطة في محيطين أكثر غموضًا، هما الـ”ديب ويب” والـ”دارك ويب”.
في الديب ويب تجد العالم التقني حيث المعلومات والبيانات للمتخصصين أما الدارك ويب فهو العالم الأكثر إجرامًا والأقل فائدة، ولا يلجه إلا أهله وليس العامة، وهناك تُعقد صفقات الشر، وتلعب العصابات، والرقيب في خبر كان.
3 مستويات للإنترنت
- 1. السطح العادي (Surface Web): الجزء الذي نتصفحه يوميًا.
- 2. الويب العميق (Deep Web): يشمل قواعد البيانات والمعلومات غير المتاحة للعامة.
- 3. الإنترنت المظلم (Dark Web): وهو الجزء الأكثر غموضًا وسرية.
عالم الإنترنت بمستوياته مليء بالفرص والإمكانات، ولكنه يحتوي أيضًا على جانب مظلم لأنشطة غير قانونية تتنوع بين تجارة المخدرات والجرائم الإلكترونية وحتى الإتجار بالبشر وذلك المستوى المعروف بالإنترنت المظلم ليس فقط مكانًا مخفيًا، بل مرآة تعكس جزءًا من النفس البشرية التي تسعى لاكتشاف المجهول. وبينما يُمكن أن يكون أداة قيمة، إلا أن مخاطره النفسية قد تفوق فوائده إن لم نملك الوعي الكافي.
ورغم أهميته لفهم الواقع الرقمي الحديث، يظل الإنترنت المظلم مفهومًا غامضًا للكثيرين. فما هو هذا العالم الخفي ومدى تأثيره على السلوك البشري؟ في هذا الموضوع، نستكشف الإنترنت المظلم بعيون العلم.
الإنترنت المظلم هو جزء لا يمكن الوصول إليه عبر المتصفحات العادية ولم يتم إنشاؤه بواسطة فرد أو منظمة واحدة بل هو مشروع طورته وزارة الدفاع الأمريكية، ويتطلب الدخول إليه استخدام متصفحات خاصة مثل (Tor) الذي تم تطويره في التسعينيات. وذلك المتصفح يخفي هوية المستخدمين ويسمح لهم بالوصول إلى مواقع مجهولة، وهذه السرية توفر بيئة مثالية لأنشطة مشروعة، مثل حماية الخصوصية والاتصالات السرية للصحفيين والمعارضين السياسيين وكان الهدف الأصلي من المشروع حماية الاتصالات السرية للجيش الأمريكي، ولكن مع تطور التكنولوجيا، أصبح متاحًا للعامة، وسرعان ما تحول إلى بيئة للأنشطة غير القانونية.
التحديات أمام مكافحة الجرائم في الإنترنت المظلم
- الإنترنت المظلم يُستخدم لأغراض قانونية مما يجعل من الصعب على الحكومات حظره بالكامل.
- غطاء المجهولية الذي توفره شبكة Tor وغيرها يجعل الدارك ويب مجالاً غامضاً للجريمة الرقمية.
- الشبكات مثل Tor تعتمد على خوادم موزعة حول العالم، مما يجعل من الصعب على أي حكومة أو جهة واحدة إغلاقها تمامًا.
- العملات الرقمية ساهمت في تعزيز هذه الأنشطة دون الكشف عن الهوية.
- تقنية التتبع تُعقّد عملية تعقب المستخدمين له.
الجريمة المنظمة في العصر الرقمي
ذلك الجانب المظلم للإنترنت يكشف عن أبعاد معقدة للجريمة وذلك يتضح في التالي:
- 1. قضية أكبر سوق إلكتروني للمخدرات
في عام 2011، أطلق روس أولبريخت سوقًا إلكترونية غير قانونية تعرف باسم “Silk Road”، إذ تمكن المستخدمون من بيع وشراء المخدرات والأسلحة والوثائق المزورة باستخدام العملات الرقمية مثل “بيتكوين” لضمان سرية المعاملات. كانت المنصة تعمل بالكامل عبر الإنترنت المظلم مما جعل من الصعب على السلطات تتبع العمليات. وبحلول عام 2013، تمكن مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) من إغلاق الموقع واعتقال المتهم الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة. وأظهرت التحقيقات أن المنصة حققت مبيعات بأكثر من 1.2 مليار دولار.
- 2. قضية شبكة استغلال الأطفال
أعلنت الشرطة القضائية الألمانية، تفكيك شبكة لاستغلال الأطفال في مواد إباحية على الدارك ويب، وصفتها بأنها الأكبر في العالم وبها أكثر من 400 ألف منتسب.
وأوضحت الشرطة في بيان أنه تم تفكيك منصة “بويز تاون” القائمة منذ العام 2019 في منتصف أبريل.
وأفادت أن “المنصة كانت ذات بعد دولي وتستخدم لتبادل المحتويات الإباحية عن قاصرين بين أفرادها”، ومنها صور تعديات جنسية خطيرة على أطفال صغار السن”.
- 3. جرائم القتل المباشر مقابل المال
تعرف بجرائم “الغرف الحمراء” وهي مفهوم مخيف يُشاع وجوده حيث يمكن للمستخدمين دفع المال لمشاهدة عمليات تعذيب وقتل تُنفذ أمام الكاميرات.
ومنها قضية طفل شبرا التي وقعت مؤخرًا لأول مرة في المجتمع المصرى والمتهم بها «طارق أ ع» 29 سنة، عامل بمقهى، و«علي الدين م ع»، 15 سنة، طالب، مقيم بدولة الكويت، والمتهم الأول أتهم أنه قتل عمدًا مع سبق الإصرار المجني عليه بتحريض ومساعدة من المتهم الثاني واتفق معه على قتل المجنى عليه “أحمد محمد” مقابل 5 ملايين جنيه.
وكذلك توجد منصات في الإنترنت المظلم تُقدم خدمات القتل المأجور بأسعار تبدأ من 10,000 دولار.
- قضية تجارة الأعضاء البشرية
في عام 2015، اكتُشف وجود منصات تعرض “خدمات” شراء الأعضاء مثل الكلى والكبد بأسعار تصل إلى 200,000 دولار.
في حادثة مروعة، تم اكتشاف شبكة تعمل بين أوروبا وآسيا، تستدرج اللاجئين والمهاجرين الفقراء وتبيع أعضائهم بطرق غير إنسانية.
- قضية السوق السوداء الجديدة
بعد إغلاق موقع “Silk Road” ، ظهر موقع “AlphaBay” كبديل له، ليصبح أكبر سوق إلكتروني على الإنترنت المظلم. وباع الموقع كل شيء تقريبًا بداية من المخدرات إلى الأسلحة والبرمجيات الخبيثة وتبادل أدوات القرصنة الإلكترونية.
في عام 2017، قاد تحقيق دولي إلى إغلاق الموقع واعتقال مؤسسه، ألكسندر كازيس، الذي انتحر أثناء احتجازه في تايلاند.
- 6. خدمات الوثائق المزورة
تزوير جوازات السفر، بطاقات الهوية، والشهادات الجامعية.
- 7. قضية منتدى الرعب البشري
في أوائل الألفينات، وقبل انتشار مفهوم الإنترنت المظلم بالشكل المعروف، ظهر منتدى يُدعى “Cannibal Cafe” كان يناقش أفعال أكل لحوم البشر.
إحدى أشهر القضايا المرتبطة بالموقع كانت جريمة ارتكبها الألماني آرمن مايفيس، الذي استدرج ضحية من المنتدى، وقتله وأكل أجزاء من جسده بعد موافقة الضحية. حُكم عليه بالسجن المؤبد، وأثارت القضية جدلاً واسعًا حول الجرائم التي تنبع من المجتمعات الرقمية المظلمة.
- الإتجار بالبشر
الإنترنت المظلم يُستخدم لتشغيل شبكات الاتجار بالبشر وبيع الأطفال والنساء. تُعرض هذه الجرائم في مزادات رقمية سرية، مما يجعل تعقب الجناة أمرًا صعبًا للغاية.
- قضية الابتزاز الرقمي
في عام 2017، تم القبض على عالم بريطاني يُدعى ماثيو فالدر استخدم الإنترنت المظلم لاستدراج ضحاياه من الشباب والمراهقين وابتزازهم عن طريق إرسال صور حساسة، ثم يهددهم بنشرها ما لم يقدموا مزيدًا من الصور أو مقاطع الفيديو. وتم الإبلاغ عنه بعد أن وصل عدد ضحاياه إلى أكثر من 200 شخص. حُكم عليه بالسجن 32 عامًا.
كيف نتعامل مع هذا الوجه المظلم؟
- توعية الشباب حول كيفية استخدام الإنترنت بأمان من خلال التثقيف الرقمي.
- ضرورة المراقبة الأسرية من الأهل لأنشطة أبنائهم على الإنترنت بحكمة دون انتهاك خصوصيتهم.
- التعاون بين الدول ضروري لمكافحة تلك الجرائم والعمل معًا لبناء بيئة رقمية أكثر أمانًا
- السعي لفهم هذا العالم ضمن سياقات أكاديمية مشروعة.
- دعم الجهود الدولية في تعقب المجرمين.
سر الانجذاب النفسي نحو الإنترنت المظلم
البشر بطبيعتهم ينجذبون لما هو غامض مما يجعل الإنترنت المظلم بيئة مثيرة للفضول بسبب صعوبة الوصول إليه. وقد يتحول إلى نوع من الإدمان الرقمي المرتبط بالحصول على محتوى فريد، ويُضعف ذلك قوة الصحة النفسية ويُسبب الشعور بالعزلة. ويُظهر علم النفس أن التعرض لمحتوى مروع قد يُسبب صدمة نفسية تؤثر على الذاكرة والانفعالات. وعلميًا، الدخول إلى هذا العالم يُشبع رغبة لدى بعض الأفراد للتحدي خاصةً بين فئة المراهقين الباحثين عن إثبات الذات.
التكنولوجيا ليست المشكلة بحد ذاتها، بل فهم الدوافع النفسية وراء الانجذاب إلى الإنترنت المظلم يساعد في استخدامه كأداة للوصول إلى معلومات مفيدة بشكل مشروع، دون التورط في أنشطة محفوفة بالمخاطر.
“الإنترنت المظلم ليس شرًا في جوهره، بل يُظهر كيف تعكس التكنولوجيا ملامح شخصية الأفراد ودوافعهم النفسية من خلال طرق تعاملهم معها”.
كما أن “الإنترنت المظلم ليس شرًا في جوهره، بل يعكس ملامح شخصية مستخدميه ودوافعهم النفسية من خلال طرق تعاملهم معه”
د. سالي سليمان