أجهزة إطفاء تشعل الحرائق!.. طفايات مضروبة

كتب – هبه زكريا
حين تندلع الحرائق فجأة في أي مكان تكون فرص النجاة محدودة، وفي العالم الغربي لايمكن إنشاء مؤسسة أو شركة أي أي مكان خدمة أو ماركت إلا بعد استيفاء مواصفات زمعااير السلام والأمان وفي مقدنتها نظم اطفاء الحرائق والسيطرة على النيران، على أن تخضع تلك المنظومات للمارجعة المستمرة لذا لاتشكل الحرائق في تلك الدول خطرا داهما إذ توجد وسائل السيطرة عليها، على العكس تماما يحدث في مصر، فحين تتشتعل النيران تتمدد وتنتشر وتأكل الأخضر واليابس حتى تأتي أجهزة الإطفاء الرسمية، إذ تخلو معظم المنشأت العامة والخاصة من نظم إطفاء جيد.. إلى هنا يمكن أن يفسر الأمر بأن « قلة الإمكانيات» لكن أن تتوافر أجهزة الإضفاء لدى المءسسات والأفراد وحين الكارثة يتبين أنها مغشوشة فذلك كارثة بكل المقاييس بحسب رأي خبراء الأمن الصناعي.
«الإخبارية» كشفت عن انتشار أجهزة إطفاء الحرائق المغشوشة بداية من الطفايات اليدوية الصغيرة وحتى الماكينات الضخمة، وزادات مصانع وورش “بير السلم” التى تقوم بتصنيع طفايات وماكينات الحريق بأوزان مختلفة باستخدام أسماء علامات تجارية شهيرة لخداع المواطن، وتصنيعها بمواد لا تصلح لإطفاء الحريق إن لم تكن تساعد على زيادة اشتعالها ثم بيعها للناس باعتبارها صالحة، وتلقى هذه الطفايات إقبالا كبيرا على الشراء لانها رخيصة السعر فأصبح من يريد إطفاء حريق باستخدام الطفايات المخصصة لإخماده يشكل خطرا على المواطن والمتواجدين فى محيط ألسنة النيران.
45 ألف حالة حريق
وفقا للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء بلغ عدد الحرائق فى العام الماضي فقط إلى حوالى 45 ألف حريق وهى نسبة كبيرة تشير الى عدم كفاءة أجهزة الاطفاء الأولية.
وتعد طفاية الحريق من المعدات اليدوية التى تستخدم للمكافحة الأولية للحريق من قبل الأشخاص العاديين المتواجدين فى محل الحريق، ويجب أن تكون الطفاية اليدوية مطابقة للمواصفات القياسية ومعتمدة من «الجهات المختصة لضمان كفاءة عملها أما ماكينات الإطفاء الكبرى فهى معدات ضخمة تغزى نظام «الإطفاء» داخل المؤسسات والشركات والمصالح الكبري وتحتاج إلى صيانة مستمرة من قبل الشركات الكبرى المصنعة لها, وعلى الرغم من ذلك تصنعها ورش محلية صغيرة بشكل غير مطابع للمواصفات وعلامات الجودة, دون وجود رقابة من قبل الجهات المختصة وهو مايعرض حياة الكثير للخطر.
تعد حوادث الحرائق من الظواهر الوارد حدوثها فى أي زمان ومكان ولأسباب مختلفة, يهرول الجميع نحو مطفأة الحريق املا فى السيطرة على السنة النيران ولكن ليس من الطبيعي ان لا يجد لها مفعول, بل يصل الأمر احيانا إلى زيادة الحريق وارتفاع ألسنة اللهب لان طفاية الحريق فى هذه الحالة تكون مغشوشة ومكونة من مركبات خطيرة تساعد على زيادة الحريق بدلا من اطفائه.. وفي الآونة الأخيرة انتشر العديد من الحرائق في جميع مناطق القاهرة، وأخرها الحريق الذي حدث في يوم 8 أغسطس 2018 بسينما ريفولي بوسط البلد…”الأخبار” قامت بجولة داخل شارعي الجمهورية والسبتية بمحافظة القاهرة حيث تتواجد أعداد كبيرة من المحال والاكشاك لبيع أدوات السلامة المهنية ومكافحة الحرائق
3 ملايين جنيه
بداية تجد جميع أنواع طفايات الحريق وأجهزة الانذار وخراطيم المياه منتشرة على الأرصفة والطرقات أمام الاكشاك والمحال الكبري، بالإضافة إلى البدل والأحذية والقبعات التى يحتاجها العمال لضمان حمايتهم فى الأعمال الخطرة، فى هذا الشارع المزدحم الذي يعد أشهر مكان لبيع مثل هذه الأدوات يتم بيع طفايات حرائق مغشوشة غير مطابقة للمواصفات على الأرصفة، وتكون أكثر إقبالا نظرا لقلة سعرها.
و يقول”م.ح” أحد التجار إن صناعة طفايات الحريق تحتاج لإمكانيات كبيرة تستخدمها فقط المصانع التابعة للشركات الكبرى حتى يكون المنتج آمن وقابل للإستخدام بكفاءة, وهناك بالفعل ورش تقوم بتقليد الماركات العالمية الحاصلة على ثقة العميل ووضع نفس العلامات التجارية للماركات الأصلية على منتجاتها المغشوشة، وهو مايعد خداع للمشتري الذي ينجذب نحو السعر المنخفض, كما تقوم هذه الورش بتصنيع طفايات حريق غير مطابقة لمواصفات الجودة والسلامة, حيث تكون البودرة التى توضع داخل الطفايات مكونة من الجبس وبعض الخلطات مجهولة المصدر وغيرها من طرق الغش المختلفة..
وخلال الجولة وجدنا أن أسعار طفايات الحريق من الشركات الكبري الموثوق بها تترواح مابين 280 جنيه حتى 1850 جنيه, وجاءت الأسعار شاملة الضرائب على النحو التالي : طفاية 1 كيلو 275 جنيها وتستخدم فى السيارات, بينما سعر الطفاية 2 كيلو بدون عداد 535 جنيه وتستخدم غالبا فى المنازل، فيما بلغ سعر الطفاية 3 كيلو 775 جنيه وتستخدم فى سيارات النقل وتأمين المنشأت الصغيرة.
ويبلغ سعر طفاية الحريق بوزن 6 كيلو 1000 جنيه وتستخدم فى تأمين كافة المنشأت, بينما الطفاية 6 كيلو (سوبر ماتك) يصل سعرها إلى 1500 جنيه ويتم إستعمالها غالبا فى تأمين المخازن.. ويبلغ سعر الطفاية بوزن 6 كيلو (ثاني أكسيد الكربون) 1850 جنيه وهي الأغلى سعرا نظرا لجودتها وفاعليتها فى التعامل مع الحرائق. وتكون طفايات الحريق المغشوشة أقل سعرا بشكل مبالغ فيه, حيث تكون الطفاية وزن 6 كيلو (ثاني أكسيد الكربون) بسعر 750 جنيه فقط, أى اقل من نصف سعرها الحقيقي.
تجار عشوائيين
وأوضح نادر رياض عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية رئيس مجلس الأعمال المصري الألماني ورئيس مجموعة احدى شركات طفايات الحريق، أن وسائل الغش والاحتيال في مجال أجهزة الإطفاء تعددت ومتمثلة في ثلاث طرق، الأولى: بشراء التالف والمنتهى صلاحيته باعتباره خردة وإعادة طلائه وتجميله وبيعه عشوائياً بمعرفة بعض التجار غير المعتمدين كموزعين على أساس أنه جهاز جديد. ، الثانية استعمال بعض المكونات مثل بلوف أجهزة الإطفاء وتركيبها على أبدان لا تخص الأجهزة وتعبئتها بكيماويات رخيصة غير صالحة للإطفاء أو محدودة الصلاحية ويتم ذلك أيضاً عن طريق موزعين وتجار عشوائيين غير معتمدين من الصانع أما الثالثة فهي أجهزة لا علاقة لها بالمنتج الأصلي من قريب أو بعيد وتكتفي بلصق أو طباعة لوحة بيانات مشابهة للمنتج الأصلي ويتم ذلك عن طريق تجار عشوائيين.
وتابع رياض: أن هناك من المواد التي يتم اضافتها وملء الطفايات القديمة أوالمنتهية الصلاحية بها وهي مادة “سبيداج ” أو يتم استخدام كسر البلاط بدلًا من البودرة الأصلية، وبذلك تصبح الطفاية عديمة الاستخدام وتفقد أي قدرة على اخماد الحريق، وتسبب الحساسية للجلد الذي تلمسه،
30 % من الأجهزة مغشوشة
وأشار إلى أن الكلمات والحروف المكتوبة على جسم طفاية الحريق تكتب بشكل غير سليم، والألوان المستخدمة رديئة، كما تتسم أن اسم الشركة الأصلية غير مكتوب أو مكتوب بشكل محرف عن الأصلي، وأن اكثر الشركات التي يتم تقليدها “بفاريا” و “المصانع الحربية” لدقتهم أما الصيني فهو أسعاره رخيصة مقارنة بالشركتين السابقتين.
وأكد أن مباحث التموين تؤدى بدورها في ملاحقة حالات الغش والتدليس في كل ما يخص السلع المتداولة بالأسواق وذلك بمطابقتها بالمواصفات القياسية والتفتيش عليها معملياً، إلا أن ما يخص أجهزه الإطفاء فإنها تحتاج إلى مبلغ من العملاء الذين يتعرضوا للغش حيث يتم متابعة مصدر فاتورة البيع واقتفاء أثر حالات الغش القابلة للملاحقة والتتبع، لذا يجب على كل مشتر بأن يحصل على فاتورة توضح اسم التاجر وعنوانه وباقي البيانات بطريقة صحيحة وتخلو من التضليل.
وأشار إلى أن حجم صناعة الغش من الطرق الثلاث السابق ذكرها إلى ما يقرب من 30% من الأجهزة المتداولة، وهى نسبة كبيرة جداً وذلك في ضوء البيانات التي ترد لنا من عملاء يطلبون التحقق من الأجهزة المباعة لهم من كونها أصلية صادرة عن المنتج أم كونها غير ذلك،
ماكينات مغشوشة
الأمر لم يتوقف عند طفايات الحريق المغشوشة فقط, بل وصل إلى ماكينات الإطفاء الكبرى التى لايمكن ضمان عملها إلا من خلال الشركات والمصانع الكبرى التى تستمر فى الاشراف على صيانتها.. فأصبح هناك ورش بمنطقة السبتية متخصصة فى تصنيع هذا النوع من الماكينات بشكل عشوائي وبيعها فى الاسواق باسم ماركات عالمية.
ماكينات الإطفاء وظيفتها هو ضخ وإيصال تيار مائي بضغط عالى إلى الصواعد المتصلة بالمرشات المائية وخراطيم إطفاء الحريق وقد يتم إمداد مضخات الحريق بالطاقة عن طريق المحرك الكهربائي, وعادة ما يكون خط السحب للمضخة متصل بمصدر ثابت للمياه (خزان مياه) .. ويجري فحص واختبار مضخات الحريق من قبل الوكالات والشركات الكبرى.
ويؤكد “أ.ح” أحد البائعين في شوارع السبتية، أن ماكينات الاطفاء نسبة الغش بها تمثل 100% فمن المفترض أن تأتى من الخارج من حيث “التقفيل وكل شيء يخص ماكينات الاطفاء” ولكن عملية الغش تتم عن طريق تقفيلها في مصر ويكتب عليها أنها مصنوعة في الخارج، مشيرًا أن أسعار ماكينات الاطفاء تبدأ من مليون لـ 3 مليون ونصف، مع العلم أن ماكينات الاطفاء يتم تويردها لجهات حكومية مثل الاقسام والسجون والمؤسسات الحكومية الكبرى وغيرها.
الغش التجاري
ويؤكد مصدر مسئول بمباحث التموين، أنه يوجد العديد من عمليات الغش التجاري في الاسواق، لذلك يتم التعامل معها باهتمام شديد، خاصة إنها تستهدف صحة المواطن في المقام الأول، بل تعرض حياته وأبنائه للموت، والدليل على ذلك هو بيع طفايات حريق مغشوشة للمواطنين، وحينما يحاول أحد استخدام طفاية الحريق لإطفاء سيارته أو أى حريق، يفاجأ بانفجار طفاية الحريق أو خروج بودرة ومواد غير فاعلة مع النيران؛ مما يؤدى إلى احتراق سيارته وتعرض حياة الناس للخطر.
أضاف المصدر، أن مباحث التموين تكثف من حملاتها لضبط مخالفات الغش التجاري، و تمكنت الإدارة من ضبط أكثر 1200 طفاية حريق مغشوشة، كما تم ضبط عدد من “ورش” مصانع إنتاج طفايات الحريق غير مطابقة لمواصفات السلامة والأمان، وهذه المصانع عبارة عن ورش غير مرخصة.
وأكد المصدر، أن أمثال هذه الورش تقوم بتقليد المصانع العالمية والحاصلة على ثقة المشتري مثل “بافاريا ـ مصنع 99 الحربي ـ وغيرها من المصانع أو الشركات المعروفة” ووضع نفس العلامات التجارية والعالمية المستخدمة للماركات الأصلية على منتجاتها المغشوشة، كما تقوم هذه الورش بإنتاج طفايات حريق غير مطابقة لأدنى درجات الأمان والجودة والسلامة.
وتقوم هذه المصانع بتزوير شهادات ضمان للمصانع الكبيرة وتقديمها للمواطن أثناء عمليات البيع، وذلك لإضفاء نوع من الثقة لدى المشتري، مضيفًا قائلاً أنه قام بضبط محلين من المحلات التجارية التى توجد بشارع السبتية الذين يقوموا ببيع ماكينات الاطفاء، وما زال هناك حملات رقابية على تلك المحلات.
الحبس والغرامة
صدرت العديد من الاحكام القضائية التي تفرض العقوبات علي المصانع والورش غير المرخصة و كذلك علي المحلات التي تقوم ببيعها, حيث قضت محكمة شبرا الخيمة علي متهم بالحبس سنة مع الشغل و تغريمه 10 الاف جنيه بتهمة صنع اجهزة اطفاء حريق غير مطابقة للمواصفات, كما صدر من محكمة شمال القاهرة الابتدائية حكم مماثل بعد ان وجهت النيابة الي احد الاشخاص تهم حيازة بقصد البيع منتجات صناعية “طفايات حريق” غير مطابقة للمواصفات وبعد اجراء فحص وتفتيش لمخزن الخاص بالمصنع تم العثور علي كميات كبيرة من البودرة المستخدمة في تلك الطفايات و التي يتم تعبئتها داخل طفايات من نوع “بفاريا” دون الحصول علي تفويض او ترخيص منها بذلك وكانت تلك الطفايات غير مطابقة للمواصفات الفنية المعتبرة وهو الامر الذي يؤدي الي حدوث كوارث بسبب عدم صالحيتها للاستخدام في اطفاء الحرائق.
وقضت المحكمة بحبس المتهم سنة و غرامة 20 الف جنيه كما قضت محكمة جنوب القاهرة علي متهم بغرامة خمسمائة جنيه بتهمة اعادة تعبئة اجهزة اطفاء حريق دون الحصول علي الموافقة من المصنع المنتج صاحب العلامة التجارية والمنتج الاصيل, وفي المحكمة الاقتصادية في طنطا صدر حكم ضد متهم بالسجن سنتين وغرامة عشرة الاف جنيه ومصادرة المنتجات التي تم ضبطها والتي تستخدم في انتاج تلك الطفايات واستخدام اسم شركات معروفة لبيع المنتج.
الخبراء : خطر كبير على سلامة المواطنين .. ومطلوب تشديد الرقابة
استطلعنا رأي مجموعة من الخبراء والمسئولين حول هذه المشكلة التى تشكل خطورة كبيرة على حياة المواطنين.. اكدوا على ان هذه المشكلة تمثل خطرا كبيرا على امن وسلامة المواطنين, كما انها تكلف الدولة خسائر بمليارات الجنيهات, بالإضافة إلى ضرورة تشديد الرقابة على الأسواق.
فى البداية أكد رشاد عبده، الخبير الاقتصادي، أن لطفايات الحريق ضرورة قصوى في حياة المواطنين أجمعين، لذلك وجه سؤاله مستعجبًا لجميع المسؤولين في الدولة هل طفايات الحريق ضرورة أم تعتبر نوعًا من الرفاهية؟، مضيفُا أنها تساعد المواطنين من التخلص من الحرائق التى تنشب في أى مكان على وجه الارض، وذلك مثلما حدث في حريق الموسكى وغيرها التى تعتبر مكونة من عدد من الورش المتراصة أو المتلاصقة أو المتلاحمة ففي حالة نشوب حريقة في ورشة واحدة فقط فتقوم بنشوبها في جميع الورش المجاورة، والسبب في ذلك طفايات الحريق المغشوشة وغيرها من الاجهزة التى تساعد على إخماد الحريق وليس إشتعالها، هذا وتبين أن الشركة لا تقوم بالبيع المباشر للمستهلكين، ولكنها تقوم بالتعاقد مع مشاريع وتزويدها بمعدات إطفاء الحريق.
وأضاف أنه من أشهر الامثلة على الحرايق التى حدثت في مصر حريق مستشفي الحسين فلو كان يوجد لديها طفايات حريق فلماذا لم يتم استخدامها؟، إلا إذا يوجد فيها شيء يتم تخبئاتها وعدم إظهارها للمواطنين، مشيرًا إلى أن البائعين يقوموا باستغلال عدم معرفة المواطنين بأسعار طفايات الحريق الاصلية وما الفرق بين الاصلية والمغشوشة؟، فمن أخطر طفايات الحريق التى يتم استخدمها في الورش وكافة المؤسسات الحكومية، فلذلك يجب على الدولة أن يكون لها دور قوي وكبير في عملية الرقابة على مثل هؤلاء البائعين المتواجدين في الشوارع دون أن يجد من يحاسبهم.