الأوقاف.. ممتلكات مسلوبة ومحاولات جادة للتقنين!!
تُقدر قيمة ممتلكات الأوقاف المصرية بنحو 50 مليار جنيه، وتضم عدداً هائلا من العقارات والقصور والأراضى. وتسبب غياب التوثيق لممتلكات الأوقاف فى ضياع أموال طائلة على الدولة، لذا أصدر رئيس الجمهورية قراراً بتشكيل لجنة برئاسة المهندس إبراهيم محلب مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية والاستراتيجية لحصر أملاك هيئة الأوقاف المصرية من الأراضى والمبانى والمشروعات.
ويوجد فى مصر نوعان من الأوقاف: الأول وقف أهلى لورثة الواقف وتديره هيئة الأوقاف لحين تسلم المستحقين أو الورثة له، والثانى وقف خيرى ويكون الواقف محدداً لجهات معينة للصرف عليها من ريع الوقف الخيرى أو يكون الوقف لوجه الله تعالى، وبالتالى فلا يحق استرداده. وتحتوى مصر على عدد يصل إلى 36 ألف وقف، منها 11 ألف وقف أهلى، و25 ألف وقف خيرى.
وقد أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قانون عام 952 بفك أراضى الوقف الأهلى بحيث تكون وزاره الأوقاف مسئولة عن الأراضى حتى يتم تسليمها للورثة، ولا يجوز التصرف فيها حتى يستردها أصحابها.
وهناك ما يقرب من 60 % من الشعب لهم وقف أهلي، فأرض ماسبيرو اتضح أنها وقف أهلي يخص الأشراف، ومنطقة وكالة البلح وقف أهلي ملك لورثة الأمير أحمد جوربجي ومنطقة الموسكى أيضاً تتبع الأوقاف، حيث طالبت نبيلة الزهار سليلة الأمير علي جوربجي الحكومة بتعويضات تُقدر بـ 2 مليار جنيه عن ممتلكاتها في مصر.
ويبلغ حجم التعديات على أملاك الأوقاف بنحو 37 ألف حالة تعدٍ، ومنها أوقاف تقدر قيمتها بالمليارت فى الخارج أبرزها وقف أسرة محمد على باليونان والمدرسة البحرية على بحر إيجه وقصر ومبنى بجزيرة تسس باليونان على مساحة 11 ألف متر.
استرداد الأراضى
وأكد النائب محمد سعد تمراز، عضو مجلس النواب أن الأوقاف لها أراضى كثيرة معتدى عليها من الأهالى ولا يتم تنفيذ الأحكام بشأنها، نظراً للفترة الطويلة التى قضاها الأهالى فيها سواء أراضى زراعية أو عقارات، مشيراً إلى أن قيمة القيراط فى تلك الأراضى يقدر حالياً بمبالغ كبيرة لا توازى ما يدفعه المنتفعين منها خلال السنة.
وأوضح أن وزارة الأوقاف تعد من أغنى الوزارات تبعاً لما تملكه من أراضى، لكن لا يتم الاستفادة منها سواء تقديمها بالبيع للمستثمر أو بناء مشروعات خدمية للمواطنين مثل: المدارس والمستشفيات ومراكز الشباب، مؤكداً أنه يمكن أن تتعاون الوزارات مع بعضها البعض لإنشاء تلك المشروعات الاستثمارية التى تدر النفع على المواطن والدولة، لكن فى الغالب لا يتم اتخاذ قرارات حاسمة باسترداد تلك الأراضى من مغتصبيها.
وأشار “تمراز” إلى أنه تقدم بطلب مناقشة عامة للوزارات الثلاثة الأوقاف والزراعة والآثار للنظر فى الأراضى المنهوبة منهم وتُقدر حالياً بمليارات، والتى يمكن تأجيرها على المدى الطويل أو بيعها بقيمتها السوقية الحالية أو استغلالها لصالح الشعب، مقترحاً أن يتم استرجاع أراضى الأوقاف وتحديد قيمتها الحالية مع تمييز ومراعاة المنتفع السابق منها على مدى سنوات طوال عن طريق منحه جزء من الأرض أو إعطاءه حق شرائها بمبلغ مخفض.
وأضاف أن تلك الطريقة تساعد على توفير أموال للدولة مع فتح باب الاستثمار بدلاً من أن تقف الهيئة كحارس على الأرض وتملكها على الورق فقط، وإنما يصبح هناك عائداً مادياً منها يعود للوزارة، لافتاً إلى أن موعد المناقشة فى مجلس النواب لم يحدد بعد لمعرفة مصير الأراضى التى تعود ملكيتها للوزارات الثلاثة ولا يتم الاستفادة منها.
“أملاك الأوقاف.. مال سايب” هكذا أوضح النائب محمد خليفة، عضو مجلس النواب أن هيئة الأوقاف لا تحافظ على ممتلكاتها من الأراضى، مشيراً إلى أنه تقدم فى فترة سابقة عن دائرته فى محافظة الغربية ببيان عاجل للوزير ورئيس هيئة الأوقاف وكذلك محافظ الغربية الذى عقد اجتماعاً مع الجهات التنفيذية، للإبلاغ عن استيلاء أحد الأشخاص على أرض وقف بمساحة فدان و18 قيراط، والتى كان من المقرر إقامة مجمع مدارس عليها لخدمة أهالى المنطقة.
وأكد أن الجهات المختصة سواء الخاصة بالأوقاف أو المحافظة فشلت فى استعادة الأرض رغم أن وزارة التربية والتعليم قامت بشرائها، وكانت وقفاً بمدينة المحلة الكبرى ومخصصة لبناء مجمع المدارس لافتاً إلى أنه كان من اللازم إرسال حراسة من المحافظة أو الهيئة لمنع البناء على الأرض التى وصل العقار المبنى عليها الآن إلى 3 طوابق وتعدى سعرها الآن ملايين الجنيهات.
واقترح “خليفة” أن المحافظات التى ليس لها دليل صحراوى مثل محافظة الغربية يتم حصر ما بداخلها من أراضى للأوقاف وعمل مشروعات خدمية عليها مع استبدال تلك الأراضى للمنتفعين منها بأخرى فى أماكن مثل: الوادى الجديد أو الساحل الشمالى حتى يتم إحكام سيطرة الأوقاف على أراضيها وإحاطتها بسور لمعرفة أنها تتبع هيئة الأوقاف لأن معظم الأراضى مبعثرة فى عزب وقرى متباعدة مما يدفع الأهالى للتعدى ووضع اليد عليها.
تضرر المواطنين
وقال هاشم العراقى، أحد أهالى قرية منية سندوب التابعة لمحافظة الدقهلية أن مشكلة الأوقاف بدأت معه منذ سنة 1970، حيث صدرت عدة أوامر متتالية لإزالة العقار الذى تم بنائه على الأرض من سنوات طوال، موضحاً أن الأوقاف أرسلت مؤخراً إنذار ببيع العقار فى المزاد العلنى رغم التواجد بداخله، مشيراً إلى أن المساحة التى يمتلكها الفرد لا تتعدى 150 متر على تلك الأراضى التى يعيشون عليها منذ سنوات.
وأكد أحد المزارعين بقرية منية سندوب أن الأرض التى يتنازعون عليها مع الأوقاف مساحتها 9 أفدنة يعيش عليها حوالى 13 أسرة يكسبون قوتهم ويربوا أولادهم من زراعة الأرض، مؤكداً أنهم تقدموا بشكوى للنائب العام وتم كسب القضية نظراً للمدة التى تملكنا فيها الأرض كواضعى يد، موضحاً أن أجداده ووالده عملوا فى تلك الأرض ويتم دفع إيجارها كما يتم تحديده من الهيئة وتوجد لدينا قسائم بالدفع من عام 1919.
وأوضح جميل عبد الحميد، أحد سكان محافظة الإسماعيلية، أنه يعمل فى مهنة الزراعة التى ورثها عن أجداده فى أراضى وقف الخديو إسماعيل، مؤكداً أن والده حصل على 3 أفدنة وذلك من خلال هيئة الإصلاح الزراعى تم بناء منزلهم المكون من طابق واحد عليها منذ سنوات طويلة، ثم جاءت هيئة الأوقاف لتطالبه بتسديد غرامات أو تحرير عقد إيجار مدى الحياة.
وقال أحد المواطنين أنه تقدم بطلب استبدال لأرض الأوقاف فى إدكو، مشيراً إلى أن القضية ظلت تسقط كل عام ويضطر إلى تجديدها بأوراق واستمارات حديثة إلى أن تم تشكيل لجنة لبحث الورق من الوزارة السابقة، مؤكداً أن هيئة الأوقاف تريد أن تطرح الأرض للاستبدال متجاهلين الطلب الذى تقدم به منذ حوالى 4 سنوات.
ولفت أحد المتقدمين بطلب للحصول على وحدة سكنية ضمن عقارات الأوقاف فى الزقازيق إلى أن هذا الحجز قائم منذ حوالى 5 سنوات، لافتاً إلى أنه يأتى فى زيارات متكررة من الزقازيق كل 6 شهور لدفع مبالغ تحت حساب الوحدة السكنية إلا أنه لم يتسلمها من الهيئة حتى الآن.
ولإعادة تقييم الإيجارات بشكل محايد تم تشكيل لجان من الشهر العقارى والمساحة والأوقاف والخدمات الحكومية، لتحديد القيمة العادلة للأراضى الزراعية والعقارات دون تحميل الأعباء على المستفيدين أو شعور الأوقاف بأن أراضيها أصبحت منهوبة ممن ليس لديهم حقاً فيها.
التقنين والاستبدال
وصرح الدكتور أحمد عبد الحافظ، رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية فى أحد حواراته التليفزيونية أن الأوقاف تمتلك العديد من الأراضى الزراعية والمصانع والشركات، لكن لم تكن هناك خطة لإدارة تلك الأصول فى السابق، مشيراً إلى أن الإيرادات التى تجمعها الهيئة توزع كالتالى 75% للوزارة، 15% للهيئة، 10% يتم تجنيبها لتنمية موارد الهيئة بالإضافة إلى رواتب الموظفين الذين وصل عددهم إلى 6600 موظف تصل أجورهم إلى 170 مليون جنيه.
وأكد أنه توجد تعديات كبيرة على ممتلكات الأوقاف فهناك قرى كاملة تتبع الهيئة، ولذلك جاء قرار الرئيس السيسى بتشكيل لجنة لحصر ممتلكات الدولة، كما قرر أيضاً أن يكون التعامل فى الأملاك مع هيئة الأوقاف وألا يتم اللجوء للشهر العقارى إلا بعد الحصول على الموافقة بالتوثيق من رئيس مجلس الإدارة أو المفوض عنه لتقليل المنازعات ومشاكل التزوير التى ظهرت فى الفترة السابقة.
وأوضح أنه تم الانتهاء من حصر حوالى 17 محافظة فى ديسمبر الماضى، أما فيما يخص تقنين عملية الاستبدال للأراضى فتم البدء فيها لكن ظهور بعض المشكلات فى عمليات الاستبدال أدى إلى توقفها فى الفترة الأخيرة، لافتاً إلى أن أراضى الأوقاف فى الخارج من أراضى وقصور فى اليونان وغيرها سوف يتم تخصيص مفوضين للتنسيق مع وزارة الخارجية فى هذه الدول، للمساعدة فى استردادها حيث كانت تلك القضية مهملة قديماً لكن تم التحرك بشأنها حالياً.
وأضاف “عبد الحافظ” أنه يتم التفكير فى استئناف الوضع فى تلك البلاد حتى يتم إعادة تلك الممتلكات لاستثمارها والاستفادة منها، مؤكداً أن منطقة وسط البلد القديمة تحديداً تتبع هيئة الأوقاف أما فيما يخص الحديث عن أرض ماسبيرو فلا يوجد لدينا أوراق خاصة بها، لأنه لم يتم حصر كافة المناطق بالدولة والتى يمكن أن تظهر من خلال هيئة المساحة، منوهاً إلى أن أى خبر يصل إلى الهيئة بخصوص وجود أوقاف بالخارج يتم حصرها ورؤية حجم الوقف.
وقال المهندس سيد محروس، مدير عام هيئة الأوقاف المصرية أن هدف الهيئة هو تقنين عقود الجمهور وليس فسخ العقود، مشيراً إلى أن ذلك يؤدى للتخلص من الإشغالات التى يتم إدارتها من الباطن فى العقارات السكنية أو التجارية، حيث يتقدم المالك بتقديم طلب وعمل عقد إيجار جديد باسم المنتفع الحقيقى من العقار ودفع المصاريف التى يقدرها المتخصصين، حتى يتم تقنين وضعه ولا يتعرض للمسائلة القانونية.
أما عن تقنين حالات بيع الأراضى الزراعية من الباطن أو التعدى بالبناء المخالف عليها سيكون فى مرحلة مقبلة، مؤكداً أن المنتفعين من أراضى الأوقاف أو ورثتهم الذين ينتفعون منها حالياً لا يعدوا ضمن المخالفين للقانون لذلك لا يحتاجون إلى التقنين طالما لديهم الحجج والأوراق التى تثبت ملكيتهم.