نجوم وفنون

مشاهد غير متوقعة في فيلم “الست” تفتح ملفًا حساسًا في حياة أم كلثوم

كتبت: مريم اسامه

يأتي فيلم «الست» كأحد أكثر الأعمال السينمائية المنتظرة في السنوات الأخيرة، ليس فقط لأنه يتناول السيرة

الذاتية لكوكب الشرق أم كلثوم، ولكن لأنه يقترب من مناطق شديدة الحساسية في حياتها، ظلت لسنوات طويلة

بعيدة عن الضوء، خاصة ما يتعلق بحالتها الصحية، وصراعها مع المرض، وتأثير ذلك على مسيرتها الفنية التي

شكّلت وجدان العالم العربي لعقود.

الفيلم لا يقدم أم كلثوم كأيقونة متحجرة أو أسطورة بلا ضعف، بل يعيد تقديمها كإنسانة من لحم ودم، عاشت

نجاحات استثنائية، لكنها في الوقت نفسه واجهت مخاوف حقيقية، وأزمات صحية ونفسية كادت أن تهدد كل

ما بنته بصوتها وتاريخها.

الست

لماذا «الست» تحديدًا؟ اختيار العنوان ودلالته

يحمل عنوان الفيلم «الست» دلالة عميقة، تتجاوز مجرد كونه لقبًا اشتهرت به أم كلثوم.

فاللقب يعكس مكانتها الاجتماعية والفنية، لكنه في الوقت نفسه يخفي وراءه امرأة تحمل أعباءً وضغوطًا هائلة، فرضها

عليها النجاح والشهرة والرمزية الوطنية التي ارتبطت باسمها.

اختيار العنوان يعكس فلسفة صناع العمل في الاقتراب من الإنسانة قبل النجمة، ومن المرأة قبل الرمز، وهو

ما يظهر بوضوح في البناء الدرامي للفيلم.

الست

أم كلثوم والمرض: الوجه الخفي للنجاح

صراع صامت خلف الستار

يركز فيلم «الست» بشكل واضح على الجانب الطبي في حياة أم كلثوم، وهو جانب نادرًا ما تم تناوله دراميًا من قبل.

يكشف الفيلم عن معاناة أم كلثوم مع فرط نشاط الغدة الدرقية، وهو مرض كان يُعد في ذلك الوقت من التحديات

الطبية المعقدة، خاصة لفنانة يعتمد وجودها بالكامل على صوتها.

المرض لم يكن مجرد حالة صحية عابرة، بل شكّل تهديدًا مباشرًا لمسيرتها الفنية، حيث تسبب في أعراض

جسدية ونفسية أثرت على أدائها وثقتها بنفسها، وجعلت فكرة فقدان الصوت هاجسًا دائمًا يلاحقها.

الخوف من الجراحة… الخوف من النهاية

يسلط الفيلم الضوء على واحدة من أصعب الفترات في حياة أم كلثوم، عندما كان العلاج المتاح آنذاك يعتمد

في بعض الحالات على التدخل الجراحي، وهو ما كان يشكّل خطرًا حقيقيًا على الأحبال الصوتية.

هذا الصراع بين الرغبة في العلاج والخوف من فقدان الصوت يشكل محورًا إنسانيًا قويًا في الفيلم.

البعد النفسي: أم كلثوم كما لم نعرفها

لا يكتفي الفيلم بسرد التفاصيل الطبية، بل يتعمق في البعد النفسي للحالة. يظهر كيف أثّر المرض على

ثقة أم كلثوم بنفسها، وعلى علاقتها بالمحيطين بها، وعلى اختياراتها الفنية.

الفيلم يرصد لحظات القلق، والتردد، والضغط النفسي، ويكشف أن القوة التي ظهرت بها أم كلثوم أمام

الجمهور، كانت تخفي خلفها امرأة تخوض معركة يومية مع الخوف، لكنها ترفض الاستسلام.

الست

منى زكي وتجسيد الشخصية: أداء يتجاوز التقليد

تقدم منى زكي أداءً يعتمد على التحليل الداخلي للشخصية أكثر من الاعتماد على الشكل أو التقليد الصوتي.

تركّز على نقل الإحساس، والانفعالات، والتناقضات التي عاشت بها أم كلثوم، وهو ما جعل الأداء يحظى بإشادات واسعة.

الفيلم لا يحاول استنساخ أم كلثوم، بل تقديم قراءة درامية معاصرة لشخصيتها، تحترم التاريخ دون أن تقع في

فخ التقديس الزائف.

الشخصيات المحيطة: شبكة التأثير في حياة أم كلثوم

أحمد رامي: الحب، الشعر، والخذلان

يجسد محمد فراج شخصية الشاعر أحمد رامي، أحد أهم الشخصيات في حياة أم كلثوم. العلاقة بينهما

تُعرض في الفيلم باعتبارها مزيجًا معقدًا من الحب غير المكتمل، والدعم الفني، والتضحية الصامتة.

جمال عبدالناصر: الفن والسياسة

يظهر عمرو سعد في دور الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، في معالجة تربط بين أم كلثوم كصوت للأمة، وبين

الدولة التي وجدت في فنها قوة ناعمة مؤثرة.

الملكة نازلي وشريف باشا صبري

من خلال شخصيتي الملكة نازلي وشريف باشا صبري، يرصد الفيلم علاقة أم كلثوم بالطبقة الحاكمة، وكيف

استطاعت أن تشق طريقها في عالم لم يكن سهلًا على امرأة قادمة من الريف.

أحمد حلمي: حضور رمزي مؤثر

يشارك أحمد حلمي في دور ضابط شرطة، يمثل السلطة والمجتمع والنظام العام، في دلالة رمزية على علاقة أم كلثوم

بالمؤسسات الرسمية.

«الست» والسينما المصرية: لماذا يُعد فيلمًا مهمًا؟

إعادة تعريف أفلام السيرة الذاتية

يقدّم الفيلم نموذجًا مختلفًا لأفلام السيرة الذاتية في السينما المصرية، حيث لا يعتمد على السرد الزمني

التقليدي، بل على التحليل النفسي والإنساني، وهو ما يمنحه عمقًا دراميًا نادرًا.

الست

توثيق إنساني لا تمجيد أعمى

العمل يبتعد عن التقديس المطلق، ويقدم شخصية حقيقية بأخطائها ومخاوفها، وهو ما يجعل الفيلم أكثر صدقًا وتأثيرًا.

تفاعل الجمهور والنقاد

منذ الإعلان عن الفيلم، تصدر «الست» قوائم البحث، وتباينت ردود الفعل بين الترقب والحذر، لكن العروض الأولى

أظهرت إجماعًا نسبيًا على قوة المعالجة الفنية والإنسانية.

كثير من النقاد اعتبروا الفيلم خطوة جريئة في تاريخ السينما المصرية، خاصة في تناوله جانب المرض والصحة

النفسية لشخصية بحجم أم كلثوم.

لماذا ينجح «الست» في لمس الجمهور؟

لأن الفيلم لا يحكي فقط قصة مطربة عظيمة، بل يحكي قصة إنسانة واجهت الخوف، المرض، والضغط، وواصلت الغناء رغم كل شيء.
وهو ما يجعل المشاهد يرى نفسه في ضعفها قبل قوتها.

فيلم «الست» ليس مجرد عمل فني عن أم كلثوم، بل محاولة لفهم الإنسانة خلف الصوت، والمرأة خلف الأسطورة.

هو فيلم عن القوة، لكن أيضًا عن الهشاشة، عن النجاح، لكن كذلك عن الثمن الذي يُدفع مقابل المجد.

الست