
لم يعد ملف الدين العام في مصر مجرد أرقام إحصائية أو تقارير اقتصادية دورية، بل أصبح محور اهتمام
المواطنين الذين يواجهون ضغوطًا معيشية متزايدة وارتفاعًا في كلفة الحياة اليومية.
ويرتبط قلق المجتمع المصري بشكل مباشر بمدى قدرة الدولة على إدارة هذا الدين دون التأثير على
مستويات الإنفاق العام والخدمات الأساسية.
وفي هذا الإطار، يؤكد رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي على ضرورة التعامل مع ملف الدين العام بشفافية
وعمق، بعيدًا عن الرؤية الأحادية، مع مراعاة السياق الدولي للصدمات الاقتصادية المتلاحقة التي شهدها العالم
خلال السنوات الأخيرة.
صدمات عالمية أعادت تشكيل الاقتصاد المصري
منذ عام 2020، واجهت مصر بيئة اقتصادية دولية مضطربة، بدءًا بجائحة كورونا العالمية، مرورًا بموجات تضخم
حادة، وانتهاءً بأسرع دورة تشديد نقدي على المستوى العالمي منذ عقود.
هذه الصدمات لم تترك الاقتصادات المصرية بمعزل عنها، بل فرضت ضغوطًا على الدين العام وخدمة الدين، باعتبارها
جزءًا من تكلفة الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي ومنع الانكماش.
وفي مواجهة هذه التحديات، بدأت الدولة تدريجيًا بالانتقال من مرحلة إدارة الأزمة إلى مرحلة إعادة ضبط المسار
الاقتصادي.
حجم الدين واتجاهه: رؤية استراتيجية
يشدد رئيس الوزراء على أن التركيز لا يجب أن يكون فقط على حجم الدين، بل على اتجاهه، مصادر
التمويل، وهيكل آجاله.
ففي عام واحد، تمكنت الدولة من سداد 3.4 مليار دولار من الدين الخارجي، وتحويل التزامات بقيمة 11 مليار
دولار إلى استثمار طويل الأجل، ما يعكس تحركًا نحو الاقتراض الاستثماري طويل الأجل بدلًا من القروض قصيرة الأجل.
اليوم، تشكل الديون طويلة الأجل نحو 81% من إجمالي المديونية، مما يقلل من ضغوط إعادة التمويل ويمنح
المالية العامة مساحة زمنية لإدارة الموارد بشكل أفضل.
أدوات مبتكرة لتخفيف عبء الدين
اعتمدت الحكومة أدوات غير تقليدية لإدارة الدين، مثل مبادلة الديون، حيث كانت مصر واحدة من سبع
دول نفذت هذه العمليات عالميًا في 2024.
وأسهمت هذه المبادلات في تقليل الالتزامات الخارجية وتوجيه الوفورات إلى مشروعات تنموية واجتماعية
وبيئية، بدلًا من استنزاف الموارد في خدمة الدين فقط.
الذروة ليست نهاية الطريق
يؤكد رئيس الوزراء أن ذروة خدمة الدين ليست مؤشرًا على الفشل، وأن الضغوط المالية القصوى غالبًا
ما تكون مؤقتة قبل انعكاس آثار إعادة الهيكلة على مؤشرات الاستدامة المالية.
التجارب الدولية تشير إلى أن إدارة الدين بشكل صحيح تحتاج إلى صبر واستراتيجية طويلة الأجل.
البنية التحتية وبناء الإنسان: رؤية متكاملة
في النقاش العام، يختزل البعض أزمة الدين في تمويل مشروعات البنية التحتية مثل الطرق والمدن الجديدة، مقابل
بناء الإنسان.
لكن هذه المقارنة غير دقيقة، إذ أن مشروعات البنية التحتية تساهم في رفع إنتاجية العمل وتقليل
تكاليف النقل، ما يعزز الاستثمار ويخلق فرص عمل، وهو ما يدعم تحسين التعليم والصحة على المدى الطويل.
الإصلاح الاقتصادي كمسار شامل
تسعى الحكومة إلى أن يكون إدارة الدين جزءًا من رؤية إصلاحية أوسع تهدف إلى تحسين حياة المواطنين، خلق
فرص عمل، رفع جودة الخدمات، وتعزيز العدالة في توزيع أعباء التحول الاقتصادي. نجاح السياسات
الاقتصادية لا يُقاس بتراجع الأرقام فقط، بل بقدرتها على خلق قيمة حقيقية للمجتمع.
خطوات قادمة لتخفيف أعباء الدين
وفق توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، تعمل المجموعة الاقتصادية على تنفيذ حزمة من الحلول
الاستثنائية لتخفيف عبء الدين وتعزيز الاستدامة المالية، بما يشمل تحسين القدرة على تمويل المشروعات
التنموية وزيادة الإنفاق على الخدمات الأساسية.







