مصر تفتتح المتحف المصري الكبير كاعظم صرح حضاري في العالم
مصر تفتتح المتحف المصري الكبير كاعظم صرح حضاري في العالم.. في مشهد يجسّد آلاف السنين من العبقرية الإنسانية، وقفت مصر اليوم على موعد مع التاريخ بافتتاح المتحف المصري الكبير، أحد أضخم وأهم المشاريع الثقافية في العالم، وأكبر متحف مكرّس لحضارة واحدة على الإطلاق.
مصر تفتتح المتحف المصري الكبير كاعظم صرح حضاري في العالم
ليس مجرد مبنى لحفظ الآثار، بل مشروع وطني عالمي الهوية، يجسّد روح مصر القديمة وقدرتها الخالدة على الإبداع والتجدد، ويعيد صياغة العلاقة بين الماضي والحاضر برؤية مستقبلية توظف أحدث تقنيات العرض والتفاعل.
يقع المتحف عند هضبة الجيزة في موقع فريد يضعه على خط واحد مع الأهرامات الثلاثة، في مشهد بصري ومعماري مدهش يجعله امتدادًا طبيعيًا لمسيرة الحضارة المصرية عبر الزمن. هذا الموقع لم يكن اختيارًا عشوائيًا، بل جزءًا من فلسفة المشروع نفسه: أن يكون المتحف “الهرم الرابع” الذي يربط بين أعظم ما صنعه الإنسان في الماضي، وما تبنيه مصر اليوم من منجزات حديثة. وجاء تصميمه المعماري مستلهمًا من رموز الحضارة المصرية القديمة، حيث تمتزج الهندسة الدقيقة بالفكر الكوني في تناغم مبهر يجسّد عبقرية المصري القديم.
افتتاح المتحف المصري الكبير
تعود فكرة إنشاء المتحف إلى نهاية التسعينيات، حين أدركت الدولة أن مبنى المتحف المصري بالتحرير الذي شُيّد عام 1902 لم يعد قادرًا على استيعاب الكم الهائل من القطع الأثرية. ومن هنا انطلقت الرؤية لإنشاء متحف جديد يليق بعظمة الحضارة المصرية. بدأ التنفيذ رسميًا عام 2002، وواجه المشروع تحديات عديدة تم تجاوزها بإرادة سياسية قوية ودعم مباشر من القيادة المصرية، وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أكد أن المتحف ليس مشروعًا ثقافيًا فقط، بل رسالة حضارية للعالم، ودليل على أن التراث يمكن أن يكون قوة اقتصادية وسياحية ومعرفية تسهم في دعم التنمية المستدامة.
خلال حفل الافتتاح المهيب الذي شهده عدد من القادة والرؤساء ووزراء الثقافة وممثلي المنظمات الدولية، أكد الرئيس السيسي أن السلام هو الطريق الوحيد لبناء الحضارات، وأن التقدم لا يتحقق إلا في مناخ من الاستقرار والعلم والتفاهم. وجاءت كلماته انعكاسًا لرؤية مصر الحديثة لدورها الحضاري والإنساني كجسر للتواصل بين الشعوب.
وفي كلمته، قال الدكتور خالد العناني، المدير العام لمنظمة اليونسكو، إن المتحف المصري الكبير يمثل نقطة التقاء نادرة بين الماضي والمستقبل، حيث يُقدَّم التاريخ فيه ليس كذكريات جامدة، بل كقوة دافعة للفكر الإنساني والإبداع. وأضاف أن مصر بهذا الصرح لا تكتفي بالحفاظ على تراثها، بل تُقدمه للعالم بوصفه منارة للفكر والتنوير والتنوع الثقافي.
فاروق حسني
كما أشار الدكتور فاروق حسني، وزير الثقافة الأسبق، إلى أن المشروع بدأ كحلم على الورق عام 2003، لكن الإرادة المصرية حوّلته إلى واقع رغم كل التحديات. وقال: “هذا المتحف لا يقف على أرض من التاريخ فحسب، بل على أرض من القيم التي أرساها الأجداد؛ التصميم، والإبداع، والإيمان بأن الحضارة رسالة تتناقلها الأجيال”.
أما العالم الجليل الدكتور مجدي يعقوب، فأشاد بدور مصر القديمة في إرساء مبادئ الطب والرعاية الإنسانية، مؤكدًا أن فكرة “الطب المقدس” التي جمعت بين الجسد والروح كانت نواة لمفهوم الرعاية الصحية الشاملة التي تؤمن بها مصر اليوم.
ويمتد المتحف على مساحة تقارب 500 ألف متر مربع، ويضم أكثر من 50 ألف قطعة أثرية تغطي جميع العصور المصرية القديمة، من عصور ما قبل التاريخ حتى العصرين اليوناني والروماني. ومن أبرز معروضاته مقتنيات الملك توت عنخ آمون، التي تُعرض كاملة لأول مرة في التاريخ داخل مكان واحد، تضم أكثر من 5000 قطعة أثرية، بينها القناع الذهبي الشهير والعجلات الحربية والعرش الذهبي. كما يحتضن المتحف مراكب الملك خوفو التي تم اكتشافها مفككة وأعيد تركيبها دون استخدام مسمار واحد، وتمثال رمسيس الثاني الذي يستقبل الزوار بارتفاع يتجاوز 11 مترًا، إضافة إلى المسلة المعلقة الوحيدة في العالم.
ولا يقتصر المتحف على العرض الأثري، بل يضم مركز ترميم عالميًا يُعد من الأكبر في الشرق الأوسط، ومكتبة بحثية متخصصة، وقاعات عرض تفاعلية تستخدم تقنيات الواقع المعزز، إلى جانب قاعات مؤتمرات ومعارض مؤقتة ومناطق تعليمية وترفيهية ومطاعم ومقاهٍ ومنافذ بيع تقدم تجربة ثقافية وسياحية متكاملة.
ويهدف المتحف إلى أن يكون مركزًا عالميًا للحضارة والحوار الثقافي، ومنصة للتبادل الإنساني، حيث يُعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والتراث من خلال تجربة بصرية وسردية تمزج بين العلم والجمال والفكر والفن.
بهذا الافتتاح، تكتب مصر فصلًا جديدًا في كتاب الحضارة الإنسانية، وتؤكد أن الهوية ليست ماضيًا نحتفي به فحسب، بل طاقة متجددة لبناء المستقبل. ومن على خط واحد مع الأهرامات التي أبهرت العالم، يقف المتحف المصري الكبير اليوم شاهدًا على أن مصر لا تزال كما كانت دائمًا.. قلب التاريخ وعقله وروحه، تهدي العالم النور والمعرفة والسلام







