مقالات

الرياضة.. بطولة العالم في حقوق الإنسان

كتب: بقلم: أ. أيمن نصرى

بقلم: أ. أيمن نصرى

رئيس المنتدى العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان بجنيف

من المتعارف عليه أن الرياضة تعد ترسيخًا حقيقيًا على الأرض لفكرة حقوق الإنسان وهو ما ظهر بشكل واضح في الوثائق التأسيسية لكل من الأمم المتحدة واللجنة الأولمبية الدولية،

والتي تنص على نفس التطلعات والأهداف كما أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق اللجنة الأولمبية يحظران التمييز على أساس اللون والعرق والنوع واللغة والدين والانتماء السياسي وهو الأمر الذي تعكسه الرياضة من خلال تعزيز مبادئ الإنصاف والاحترام من خلال ممارسة الرياضة سواء بشكل احترافي أو كهواية متاحة للجميع دون قيد أو شرط.

ما الذي نعنيه بالرياضة؟

‎الرياضة، وخاصة الألعاب الجماعية، هي جزءًا مهمًا من حياتنا، سواء كنا متفرجين أو مشاركين. فبالنسبة للكثيرين كرة القدم مصدر لا ينتهي من المحادثة ويشعر المشجعون بتقارب كبير من فريقهم ويعطى اللاعبون لقب الأبطال.

والسائد اليوم بالنسبة للناس هو أن يظهروا بحالة جيدة: شباب رياضيون وصحيون ويتجلى هذا من خلال عدد نوادي اللياقة البدنية التي يتم افتتاحها  حين تمتلئ الحدائق بالراكضين.

وتنطوي الأنشطة الأخرى على المجهود العقلي بدلاً من البدني كالشطرنج، والتي تعتبر أيضاً رياضة.

وهناك الرياضات التي تناسب جميع الأذواق والأمزجة وبالتالي يمكن أن ترتبط الرياضة ارتباطاً وثيقاً بهويتنا وثقافتنا في مرحلة ما من حياتنا.

إذا أمعنا النظر في القيمة الأساسية والغرض من الرياضة والألعاب – ويتضمن ذلك لعب الأطفال الصغار – يصبح جليًا أن جميع الألعاب الرياضية سواء سواء كانت فردية أو جماعية  تطورت كوسائل لتعليم المهارات الحياتية الضرورية، ولهذا السبب ينظر إلى الرياضة على أنها جزء مهم من المنهاج التعليمي سواء الرسمي أو غير الرسمي.

لعل من أهم فوائد الرياضة هي قدرتها على تعزيز قيم المبادئ والالتزام والانتماء وهو دور مهم تلعبه في حياتنا وهو يعد أمر يعزيز من ثقافة حقوق الإنسان في حياتنا

ولا شك أن الرياضة تمثل أداة للتغيير الاجتماعي وتعزز الاحترام والمنافسة الشريفة وهي من قيم حقوق الإنسان الأساسية فمن خلال الرياضة يسعي البشر وراء تحقيق أهداف جماعية

وتحقيق الإنصاف والوحدة والإندماج بين ثقافات الشعوب المختلفة فاحترام القواعد واحترام الآخرين نجده في عالم الرياضة وهي اللغة التي يستطيع أن يتعلمها ويتكلمها البشر جميعا بإختلاف ثقافتهم وأنتمائتهم الثقافية والاجتماعية والدينية

لا بد من التأكيد أن الرياضة حليف قيم لدعم حقوق الإنسان في توحدنا وتساعد العالم على التقارب مؤكدة على أن اسمي أهدافها هي احترام الإنسانية والكرامة وهو أحد أهم مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في ١٠ ديسمبر ١٩٤٨.

الفكرة الأساسية في الرياضة أن الحكم عليك يكون من خلال تميزك في نشاط رياضي بذلت فيه مجهودًا كبيرًا فلا يتم الحكم عليك وفق أي معايير أخري سواء كانت الجنسية والعرق والدين واللون

ومن المعروف أن الرياضة مرتبطة بشكل كبير بالصحة والنفسية فهي تساهم في تحسين المزاج العام وتعمل على زيادة التركيز وتقلل من الاجهاد والاكتئاب وتعزز من الثقة بالنفس وتحسن من الذاكرة،

كما أنها تقلل من مستوى هرمون التوتر في الجسم وفي الوقت نفسه تحسن من إنتاج الأندروفين والدوبامين تساعد على الوقاية من القلق والاكتئاب وتحسن من الحالة المزاجية وتعطي شعور بالمتعة

وهو الأمر الذي يعزز من حقوق الإنسان لأن الصحة النفسية ترتبط أرتباط وثيق بتحسين حالة حقوق الإنسان فهو حق أساسي للجميع التمتع بأعلي مستوي من الصحة النفسية وهو ما تساهم في تحقيقه الرياضة بشكل غير مباشر.

الرياضة تحمي الشباب

أكدت الدراسات المجتمعية أن الشباب الذي ينخرط في الرياضة في سن صغيرة يترسخ في ذهنه أهمية ممارسة الرياضة على المدي الطويل حتي لو كانت هواية وليس بشكل احترافي كما يتجنب بشكل كبير نمط الحياة الخاطئ ويعطي لنفسة فرصة أن يعيش بشكل سليم وجسد متعافي، وهناك دراسات أكدت أن ٧ اشخاص من كل ١٠ أشخاص مارسوا الرياضة في سن صغيرة ابتعدوا عن التدخين وتعاطي المخدرات واهتموا بالأكل الصحي وتجنبوا تناول الوجبات السريع junk food .

كما أكدت الدراسات أن الشخص الذي يمارس الهواية يتمتع بقدرة كبيرة على التفكير السليم وإتخاذ قرارت سليمة على المستوي الشخصي والمهني.

الرياضة والسياسة

‎منذ فترة طويلة تستخدم الرياضة كوسيلة سلمية للعمل السياسي ضد الظلم. فخلال حقبة الفصل العنصري رفضت العديد من الدول إقامة علاقات رياضية مع جنوب إفريقيا ما شكل مساهمة كبيرة في التغيير السياسي في هذا البلد. وفي العام 1992 تم استبدال جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية بالدنمارك في كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم بسبب حالة الحرب بين جمهوريات يوغوسلافيا السابق

 الرياضة والعنصرية

‎يمكن أن تؤثر العنصرية في الرياضة على جميع الألعاب الرياضية وأن تتجلى في عدة مستويات؛ في مجال الرياضة للهواة وعلى المستويات الدولية والمؤسسات، وكذلك في وسائل الإعلام. ويمكن أن تحدث على المستوى المحلي بشكل خاص، لا الحصر في التفاعل (لأسباب حقيقية أو متخيلة للون أو الدين أو الجنس أو الأصل العرقي) بين أو ضد اللاعبين والفرق والمدربين والمتفرجين وأيضاً ضد الحكام.

وهنا تقع مسؤولية مكافحة العنصرية في الرياضة الهيئات المحلية والدولية المسؤولة عن الرياضة بالتعاون مع الهيئات القضائية والشرطة لتحديث القوانين التي تحد من العنصرية الرياضية والأمم وضع  آليات تسمح بتنفيذ هذه القوانين بشكل عملي لضمان التقليل من الأحداث العنصرية في مجال الرياضة والتي ارتفعت وتيرتها في السنوات العشر الأخيرة وساهمت في تعزيز ثقافة العنف والتمييز

التعصب ظاهرة سلبية

برغم المجهودات المبذولة من المؤسسات الرياضية الدولية والمنظمات الحقوقية المتخصصة في نشر ثقافة ممارسة الرياضة إلا أننا ما زلنا نعاني من التعصب الرياضي في مختلف الرياضات خاصة في رياضة كرة القدم نتيجة نقص الثقافة الرياضية لدي المشجعين والأنانية وعدم قبول الأخر أو تقبل النقد الإيجابي

وكذلك تنشئة الأجيال الجديدة على ثقافة العنف والتعصب خاصة على أساس اللون أو العرق هو أمر يعد انتهاكًا واضحًا للقيم والأخلاق الإنسانية والحقوقية وهو أمر في غاية الخطورة وجب التصدي لها بمنتهي الحزم والقوة لمنع انتشار مثل هذه الممارسات الخاطئة والحد منها

خاصة أن المسابقات الرياضية تنتشر على نطاق عالمي واسع وهو أمر إذا لم يتم التصدي له سوف يساهم بشكل كبير في نشر مظاهر التطرف والعنف والتعصب

لتتحول الرياضة من إداة لتعزيز ثقافة حقوق الإنسان من خلال تعزيز قيم التسامح والتعايش والاعتدال والاحترام والانفتاح إلي أداة لنشر التعصب والكراهية

وهو ما يفقد الرياضة قيمتها الحقيقية ويحولها إلي مجرد منافسات الهدف منها الفوز للتباهي وتحقيق مكاسب مادية لذلك وجب تغليظ العقوبات على الجماهير التي تعزز من ثقافة التعصب خاصة جماهير كرة القدم وبشكل خاص مشجعي كرة القدم في الدول العديد من الدول العربية للأسف الشديد تحول الأمر من منافسة شريفة تتميز بالروح الرياضية والاحترام إلي مشاحنات  بين الجماهير  يستخدم فيها وسائل التواصل الاجتماعي وهو الأمر الذي يعزز مشاهر الحقد والكره والتعصب ويفرغ الرياضة من مضمونها الحقيقي.