مقالات

التنجيم.. الكذب المزخرف من الودع والمندل إلى التطبيقات الإلكترونية

كتبت: د. سالي سليمان

 

التنجيم.. الكذب المزخرف  من الودع والمندل إلى التطبيقات الإلكترونية

يتطور بأقصى سرعة في كل العصور حتى وصل إلى التطبيقات الإلكترونية ويطرق باب الذكاء الاصطناعي

اللجوء إلى التنجيم هو انعكاس لاحتياجات نفسية عميق

التوعية العلمية والدينية لمواجهة التنجيم أصبحت ضرورة ملحّة لمواجهة هذه الظاهرة من لما فيها من تضليل للعقول.

 

شهدت السنوات الأخيرة تزايدًا في انتشار تطبيقات إلكترونية تقدم استشارات تنجيم يومية مما جعل هذه الممارسات أكثر سهولة للأشخاص في مختلف أنحاء العالم. وطبيعي أن يواكب القائمون عليها العصر الحديث لينتقل من ضرب الودع وقراءة النجم إلى التطبيقات الإلكترونية وصولًا إلى الذكاء الاصطناعي.

 

التنجيم.. الكذب المزخرف

 

واستعراض التنجيم وأساليبه ليس دليلًا أبدًا على الإيمان به وبجدواه، لكنه محاولة لقراءة مراحله وتطوراته، ولعل أبلغ القول في ذلك أنه حينما أراد أحد الملوك الخروج للحرب، فحذره مستشاره المُنجم من أن الطالع ليس في صالحه، فتجاهل كلامه وذهب بالفعل للحرب وانتصر، فامتدح الشاعر فعلة الملك وإيمان بالعمل والأسباب الواقعية لا التنجيم قائلًا: السيف أصدق أنباءً من الكتبِ/ في حده الحد بين الجد واللعب.

 

 

 

وعلم التنجيم هو واحد من أقدم العلوم التي حاولت ربط حركة الكواكب والنجوم بتأثيرها على حياة الإنسان اليومية واستكشاف أبعاد أعمق للذات والعلاقات والفرص. ومسارات حياتك الممكنة. فهل يمكن أن تكون النجوم عبارة عن خريطة سماوية تمثل دليل رحلتك في هذا العالم؟

أن الانغماس في عالم التنجيم قد يحمل خطرًا كبيرًا على الصحة النفسية، وذلك عندما يتحول إلى نمط حياة يعتمد عليه الفرد في فهم نفسه واتخاذ قراراته، ورغم أنه قد يبدو للبعض تسلية غير ضارة فإن تأثيره عميق للغاية، ويتمثل في تعزيز القلق والخوف من المستقبل خاصة إذا كانت التوقعات سلبية، ويصبح وسيلة للهروب من مواجهة المشكلات الحقيقية مما يعوق حلها، كما قد يقع البعض ضحية للمشعوذين لتحقيق مكاسب مالية.

التنبؤ وعلم الفلك

يعد الفلك من أهم العلوم التي اعتنى بها علماء الإسلام، وهو يتعلق بالمحسوسات، ولا يتعلق بالغيبيات، حيث يتعلق بنواميس الكون، ورصد مواضع الأجرام السماوية وحركتها، وتحديد مواعيد الصيام والحج والصلاة، أما التنجيم وقراءة الطالع لا يُعتبران من العلوم الحقيقية، بل مما يسمى بالعلوم الزائفة.

وممارسة التنجيم تعد جزءًا من الموروث الثقافي للعديد من الحضارات القديمة، مثل البابلية حيث كان وسيلة لفهم الظواهر الطبيعية والتنبؤ بمصير الملوك، والمصرية التي أصبحت الأبراج جزءًا من الثقافة الشعبية التي تنتشر بشكل يومي، والهندية التي ما زالت تُستخدم الخرائط الفلكية لتحديد توقيت الزواج والقرارات المصيرية. وعلى الرغم من الانتقادات العلمية الموجهة إليها، لا يزال التنجيم يحتفظ بشعبية واسعة في العصر الحديث.

 

 

التنجيم في الإسلام

يُفرق الدين بين التنجيم كعلم لدراسة الفلك والحسابات الدقيقة، وبين التنجيم المحرم والتوقعات التي تربط مصائر البشر بالنجوم لأنها تتعارض مع إيمان المسلم بوحدانية الله، وتفتح الباب للتشويش على العقل البشري، والقائلون بالتحريم يستندون إلى حديث: “من أتى عرافًا أو منجمًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد.” (رواه الترمذي).

ايضاً من القرآن الكريم: “إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.” (لقمان: 34).

هذه الآية تُثبت أن علم الغيب هو من اختصاص الله وحده، ولا يحق لأحد أن يدعي معرفته بالمستقبل.

أنواع التنجيم

التنجيم الفلكي:

يعتمد التنجيم الفلكي على حركة الأجرام السماوية وتأثيرها على حياة البشر.

ويشمل الأبراج والخرائط الفلكية.

أوراق التاروت:

لا يُعرف متى استخدمت أوراق التاروت لأغراض العرافة للمرة الأولى، ولا توجد أي أمثلة موثقة حتى بداية القرن الثامن عشر. والعرافة باستخدام أوراق مشابهة تعود إلى عام 1540. وكلمة (تاروت) هي مقلوب كلمة (توراة) في الكتابة وفي النطق.

 

 

قراءة الفنجان:

لها جذور تاريخية تعود إلى قرون مضت، وتعتمد على الخيال الشخصي للمفسر في محاولة لفهم العالم غير المرئي.

قراءة الكف:

تم ممارستها منذ قرون في ثقافات سومر وبابل والثقافة العربية وكنعان وبلاد فارس والهند والتبت والصين، وتستند إلى تحليل خطوط اليد وربطها بالجوانب الشخصية والمستقبلية للفرد.

قراءة الودع:

إحدى طرق العرافة التقليدية وتعتمد على رمي مجموعة من الأصداف فوق الرمال أو غيرها ثم تفسير أنماط سقوطها.

فتح المندل:

يتم من خلال استحضار الأرواح أو استخدام وسيط لرؤية أحداث مستقبلية. ويرتبط أحيانًا بالسحر ويُمارَس مع طقوس غامضة.

البندول:

شكل قديم من أشكال استخدام الطاقة للتواصل والحصول على الإرشاد لأمر معين، ويتوافر في صور وخامات وأحجام متعددة ومختلفة، ولكن ذلك لا يمنع من أن له استخدامات عديدة بعيداً عن التنجيم.

وتتمثل الدوافع النفسية للاتجاه نحو التنجيم في الشعور بالفضول والخوف من المستقبل الذي يدفع البشر إلى التنجيم بأنواعه، وتنتشر هذه الممارسات بفعل الثقافة الشعبية التي ترحب بالتنجيم، والاحتياج إلى السيطرة على المجهول.

 

مشاهير عالم التنجيم الغربي

  • نوستراداموس:

يعد من أشهر المنجمين في التاريخ وهو صيدلي ومنجم فرنسي نشر مجموعة من التوقعات في كتابه (النبوءات) وصدرت الطبعة الأولى في عام 1555. ويحتوي الكتاب تنبؤات بالأحداث التي اعتقد أنها ستحدث حتى نهاية العالم الذي توقع أن يكون في عام 3797 م.

وأرى وفقاً لعلم النفس أن شعبيته مثالًا على قدرة التوقعات الغامضة على إثارة الخوف الجماعي من الكوارث.

  • إدغار كايس:

عراف أمريكي كان إدغار يعطي اجاباته وتنبؤاته خلال مروره بما يشبه الغيبوبة. وأرى وفقاً لعلم النفس حالته تُظهر التأثير النفسي للغموض. حيث كان يُنظر إليه كوسيط بين العالمين المادي والروحي، مما يعكس الحاجة للبحث عن المعنى في الحياة.

  • الجدة فانغا:

امرأة عمياء ولدت في مدينة ستروميكا ونالت شهرة واسعة بسبب نبوءاتها الشهيرة.

جرت محاولة في عام 2011 لتلخيص المعرفة الموجودة حول فانغا بشكل منهجي في الفيلم الوثائقي فانغا: العالم المرئي وغير المرئي.

وشعبيتها تعكس قدرة التوقعات على تشكيل إدراك الناس للأحداث وتوجيه قراراتهم.

 

 

مشاهير عالم التنجيم العربى

في الثقافات العربية، اشتهر بعض الأشخاص بقدرتهم على قراءة الطالع لكن رغم الشهرة التي حظي بها ممارسو هذه الفنون، فإن نهاياتهم غالبًا ما كانت مأساوية. كما أن الكثير منهم فقدوا مصداقيتهم بعد تعرضهم لمواقف فضحت عدم صحة ادعاءاتهم.

  • أحمد بن علي البوني

عالم مسلم من القرن السابع الهجري (القرن الثالث عشر الميلادي)، وُلد في مدينة بونة بالجزائر، واشتهر بمعرفته في العلوم الروحانية.

أشهر كتبه هو “شمس المعارف الكبرى” الذي يتناول فيه طرقًا وأسرارًا تُعنى بالسحر، الأحجار الكريمة، الأرقام، والطلاسم. ويُعتقد أن البوني كان يستند إلى علوم غيبية للحصول على القوة الروحية. وأستمر كتابة في إثارة الفضول حتى يومنا هذا.

المعلومات المتوفرة عن وفاته غامضة وقليلة، مثل معظم سيرته الشخصية. وتشير المصادر التاريخية إلى أنه توفي حوالي سنة 622 هـ / 1225 م، لكن مكان وفاته غير مؤكد.

  • عبد الفتاح الطوخي

المعروف بـ “الساحر المصري”، اشتهر بتأليفه العديد من الكتب في مجالات السحر والتنجيم.

أسس معهدًا للفلك في مصر، حيث درّس العلوم لعدد من الطلاب، من بينهم “الحسيني الفلكي” عندما اكتشفت السلطات نشاطه في تعليم السحر اختفى وسافر إلى الخارج لكنه استمر في نشر كتبه التي تجاوز عددها 80 كتابًا.

اتُهم بنشر الخرافات واستغلال حاجات الناس الروحانية لتحقيق مكاسب مادية.

توفي عام 2004، وأعماله ما زالت تُباع حتى اليوم على الرغم من تحذيرات العلماء.

  • السيد الحسيني الفلكي

وُلد في أوائل القرن العشرين بمصر واشتهر بقدرته على التنبؤ بالأحداث بناءً على دراسة حركة النجوم والكواكب. وكان له مؤلفات عديدة ومتابعون في العالم العربي.

توفي بشكل غامض عام 1978 في واحدة من أكثر الحوادث غموضًا حيث وُجدت جثته في منزله بحالة غير طبيعية خاصةً أن الفلكي كان معروفًا بتعامله مع الجن والشياطين، وأجرت السلطات تحقيقًا في الحادث، حيث تم تشريح الجثة وأفاد تقرير الطب الشرعي بعدم وجود آثار لسم أو أي علامات تدل على جريمة قتل. وظل سبب وفاته لغزًا محيرًا حتى الآن.

  • داوود محمد فرحان

ساحر يمنى مشهور بلقب الساحر التائب، نشأ في أسرة تمارس السحر، وتعامل مع الجن منذ طفولته المبكرة نتيجة لتأثير والده.

مع مرور الوقت أصبح من أبرز السحرة في منطقته. ومع ذلك قرر التوبة والعودة إلى الله، وأصبح داعية يحذر الناس من المخاطر الروحية والجسدية المرتبطة بذلك العالم. مؤكدًا على أهمية الالتزام بتعاليم الدين.