تعرف على السياسات الاستثمارية لشركات التأمين
كتب عبير خالد
تعتبر إدارةالتمويل والاستثمار من العمليات ذات الأهمية الكبيرة بالنسبة لشركات التأمين والتى غالباً ما تبدأ نشاطها باعتمادها على مواردها الذاتية أو الخاصة، حيث تحتاج إلى رأس المال التأسيسي Seed Capitalو أتفاقيات إعادة تأمين من أجل أنطلاق عمليات الاكتتاب.
ومن المتعارف عليه أن معظم شركات التأمين تقوم بتكوين كمخصصات فنية و ذلك لمواجهة التزامات حالية أو مستقبلية ، ونظرا لأن هذه المخصصات تشكل هامش أمان للأحداث العارضة القائمة فعلا أو التى قد تطرأ ، فإنها تعتبر بالغة الاهمية للشركات لمواجهة التزاماتها من جهة ولاستمرار نشاطها من جهة أخرى وكذلك لأعطاء الأفصاح المحاسبي مصداقية تمكن من الاعتماد على القوائم المالية.
وهنا يجب التنويه لأن الجزء الأكبر من الأموال المتوفرة بشركة التأمين هي أموال مملوكة لحملة الوثائق وبالتالي فإن سياسات – بل و أهداف الاستثمار في شركات التأمين تختلف جوهرياً عن الأنشطة الاقتصادية الأخرى.
وهذا بما يحقق يحقق عائداً فى ظل أدنى درجات الخطورة ، وذلك أن شركة التأمين لا تملك من هذه الأموال إلا القدر اليسير.
الطبيعة المزدوجة لنشاط التأمين
يعتبر النشاط التأميني نشاطاً ذا طبيعة مزدوجةDouble business من حيث مصادر تحقيق الدخل حيث يوجد مصدران هما النشاط الاكتتابي والنشاط الاستثماري، وتنشأ هذه الخاصية من وجود فجوة زمنية بين تحصيل الأقساط وسداد التعويضات في أنواع التأمين المختلفة قد تطول لسنوات مثل تأمين الحياة وبعض تأمينات المسئوليات ذات الامتدادLong tail وقد تقصر مثل بقية أنواع التأمين.
و يمكن سرد الأهداف الأساسية لنشاط الاستثمار بشركات التأمين في ما يلي :-
- تدعيم الاحتياطيات العامة لتقوية المركز المالي
- تعويض خسائر الاكتتاب
- تعزيز متطلبات الملاءة المالية للشركات
- مقابلة توقعات العملاء و التزامات الشركة (في تأمينات الحياة ذات الشق الاستثماري)
وتكمن صعوبة الاستثمار في شركات التأمين في كون الشركة تستثمر أموال حملة الوثائق مما يفرض عليها أن تكون أولويات أو مبادئ الاستثمار مقابلة لتوقعات واحتياجات هؤلاء العملاء، فشركة التأمين تقوم مقام الأمين على أموال حملة الوثائق ، ومن هنا تأتي ضرورة توضيح أولويات الاستثمار في شركات التأمين.
أولويات الاستثمار في شركات التأمين
يمكن حصر ما يجب أن تحققه السياسة الاستثمارية لشركة التأمين في شكل أولويات على النحو التالي :-
- الضمان Security : بمعنى اختيار الأوعية الاستثمارية التي تحقق الأمان لأموال حملة الوثائق بمعني عدم تعريض تلك الأموال لأي مخاطرة مرتفعة بحيث يكون هناك ضمان لاسترداد نفس القيمة الشرائية على الأقل للأموال المستثمرة.
- السيولة Liquidity : بمعنى أمكانية تحويل الأستثمارات إلي أمول سائلة لمواجهة الألتزام الحقيقي لشركة التأمين بسداد التعويضات المستحقة ومن هنا جاءت ضرورة المطابقة بين الأصول والألتزامات Assets – Liability Matching (ALM)
- الربحية Profitability : على عكس المستثمرين الآخرين فإن أولوية شركات التأمين لا تكون هي تحقيق أكبر عائد أستثماري والسبب هو الأرتباط الطردي المعروف بين (العائد – المخاطرة) ، والعكسي بين (العائد – السيولة) الأمر الذي يفرض على شركات التأمين أولوية التركيز على أهداف الحفاظ على أموال حملة الوثائق وتحقيق السيولة اللازمة لأداء التزاماتها قبل العائد المحقق.
تحديات النشاط الاستثماري بشركات التأمين
لقد كان التزام شركات التأمين تجاه حملة الوثائق سبباً في أن تلتزم هذه الشركات التزاماً دقيقاً بمراعاة الحرص و الحذر في استقرار سياستها الاستثمارية، ويعد وضع برنامج استثماري لشركات التأمين سواء كانت شركات التأمين العامة أو تأمينات الحياة أمر بالغ الصعوبة بسبب وجود مخاطر الاستثمار.
وتعد هذه المخاطر من الأمور الجوهرية التي تواجه شركات التأمين عند وضع تخطيط و تنفيذ أية سياسة استثمارية. و يمكن تقسيم مخاطر الاستثمارإلى ثلاثة أنواع هى:-
- إدارة/مطابقةالأصولوالالتزامات Asset and Liability Management/ Matching (ALM).
تم إدخال مفهوم إدارة الأصول/ الالتزامات من قبل القطاع المصرفي إلى إدارة شركات التأمين وهوأحد الوسائل التى من شانها حمايةقائمةالمركزالمالي (الميزانية العمومية) من التغيرات الخاصة ببيئة الأعمال من خلال الإدارة الواعية للنشاط الاستثماري بشركات التأمين.
وتاريخياً كان الجانب الخاص بالالتزامات في قائمة المركز المالي ( الميزانية العمومية) أكثر عرضة للتغيرات التي تطرأ على ظروف السوق. وقد تسبب ذلك فى تعريض المؤسسات للمخاطر وبخاصةً المخاطر المتعلقة بمعدل الفائدة أو المتعلقة بالسيولة. ولم يتم النظر إلى ذلك باعتباره مشكلة رئيسية بل إن التقلبات الشديدة التي شهدتها الأسواق فى السبعينيات والثمانينات هي التى قامت بتركيز الضوء على عدم التوافق بين الأصول و الإلتزامات.
وقد انتقل هذا المفهوم إلى صناعة التأمين بعد عدد من الأزمات المالية في قطاع التأمين حيث أصبحت عملية إدارة الأصول/ الالتزامات جزءاً من النطاق الموسع لعملية إدارة المخاطر المؤسسية، كما أنها تتداخل مع إدارة الإستثمارات. وتتسم جميع تلك الجوانب بالأهمية إلا أن لكل منها منظوراً مختلفاً وقد تختلف الآلية المستخدمة فى تنظيمها وتطبيقها من شركةإلىأخرى.
2- ضمان استرداد المبلغ المستثمر:
يتوقف ضمان استرداد مبلغ الاستثمار، لكل نوع من أنواع الاستثمار، على الهيئة المصدرة لهذا النوع من الاستثمار و مدى قدرتها المالية و الإدارية و نوع الاستثمار. لذا اتجهت شركات التأمين
في بداية الامر في استثماراتها نحو الأنواع الأكثر ضمانا ، فاقتصرت استثماراتها على الأوراق المالية (سندات) والعقارات والرهون العقارية والقروض بضمان وثائق التأمين على الحياة.
إن توزيع الاستثمارات بين هذه الأنواع تحكمه الأوضاع الخاصة بكل نوع من أنواع التأمين، وفى هذا الجانب فان التزامات شركات التأمين العامة هي أساسا قصيرة الأجل لذلك كان الاتجاه في استثمار أموال احتياطات التأمينات العامة نحو الأوعية الادخارية قصيرة الأجلالتي يمكن تسييلها بسهولة أو بخسارة طفيفة. أما تأمينات الحياة فان التزاماتها طويلة الأجل لذلكتناسبها الاستثمارات طويلة الأجل واختيار هذه الاستثمارات يتطلب التنبؤ بظروف التطورات الاستثمارية في المستقبل من أجل تفادى التعرض إلى مخاطر التقلبات في الأسعار أو التعرض لضياع قيمة الاستثمارات.
3- العائد على الاستثمار
يمثل العائد على رأس الاستثمارتحدياً هاماً لشركات التأمينفيجب أن تهتم بنوع الاستثمار الذى يضمن لها تحقيق عائدا مستقروتجدر الإشارة إلى إن هناك تعارض بين ضمان استرداد مبلغ الاستثمار والربح ، لان العلاقة بين الهدفين عكسية فكلما زاد الضمان انخفض الربح ، في حين تزداد معدلات الربح مع المخاطرة ، وهذا من أهم المشكلات التي تواجهها شركات التأمين.
3– صعوبةتسييلالاستثمارات
إن الخطر الثالث المتعلق بالاستثمار هو صعوبة تسييل الاستثمارات ، ويعنى صعوبة تحويل الاستثمارات إلى مبالغ سائلة أو شبه سائلة في أقل وقت بدون التعرض لخسارة كبيرة في الاستثمار.
ومما لاشك فيه أن المخاطر الثلاث مترابطة فيما بينها فالعائد على الاستثمار يتناسب تناسبا عكسيا مع ضمان استرداد مبلغ الاستثمار ، كما أن عائد الاستثمار يتناسب عكسيا مع سهولة تسييلالاستثمار.
الخطط الاستثمارية لشركات التأمين
يعد تحديد وتخطيط وتنفيذ السياسة الاستثمارية في شركات التأمين أمراً بالغ الأهمية ، و تتوقف السياسة الاستثمارية التي تتبعها شركات التأمين وبالأخص شركات التأمين على الحياة على المركز المالي للشركة من جهة، وعلى الشروط والقواعد القانونية والإدارية التي بمقتضاها تستثمر أموالها من جهة أخرى . وعليه فإن أيه سياسة استثمارية توضع يتعين أن تحقق غرضين أساسيين . الأول يتمثل في تقوية وتثبيت المركز المالي والثاني يتمثل في الحصول على أكبر ربح ممكن .
وهناك جملة من العوامل التي تؤثر وتتحكم في السياسات الاستثمارية التي تتبعها شركات التأمين وهى طبيعة الاعمال التي تمارسها هيئات التأمين والهدف الأساسي من وراء الاستثمار أولا ، ومخاطر الاستثمار وكيفية الحد منها ثانيا ، والقيود القانونية النوعية والكمية التي توضع للرقابة على الاستثمار في شركات التأمين.
وتختلف السياسات الاستثمارية التي تتبعها شركات التأمين تبعا لنوع الأخطار التي تمارسها شركات التأمين فيما إذا كانت تمارس أعمال التأمين على الحياة أمالتأمينات العامة بصورة عامة ويمكن تصنيف هذه الأخطارإلى نوعين :-
- التأمينات قصيرة الأجل
وتتمثل غالبا في تأمينات قصيرة الأجل،و هي تحتاج إلى مبالغ كبيرة للتعويض كما أن شركات التأمين لا يمكن أن تبنى إحصاءاتها بدقة متناهية عن الحوادث في الماضى بسبب بعض الظواهر مثل النعويضات الممتدة Long tail والكامنة Latent cliams والتي يمكن على أساسها أن تقدر قيمة التعويض للسنوات القادمة، حيث إن خسائرها تختلف من سنة إلى أخرى بشكل يتسم بالتذبذب خاصة في بعض فروع التأمين كذلك يؤدي عدم قدرة شركات التأمين على تقدير قيمة مبلغ التعويض التي يجب دفعها إلى جمهور المؤمن لهم إلى ضرورة توافر أموال ضخمة سائلة و شبه سائلة لديهاـــ
لذا يجبعلى شركة التأميناستثمار أموال احتياطات التأمينات قصيرة الأجل إما في سندات قيمتها النقدية محددة و ذات فائدة ثابتة أو يمكن إيداع جزء من هذه الأموال في الحسابات المصرفية ، و هذا يعني أنه يجب استثمار أموال التأمينات بصورة سائلة أو شبه سائلة أي يمكن تحويلها إلى نقد بسهولة مقابل خسارة طفيفة.
و يفضل ألا تستثمر أموالالتأمينات العامة في العقارات و الرهون العقارية بسبب صعوبة تحويلها إلى أموال سائلة أو شبه سائلة بالسرعة المطلوبة دون التعرض لخسارة كبيرة.
2. التأمينات طويلة الأجل:
تتمثل هذه التأمينات في عقود تأمينات الحياة التي تفرض طبيعتها قيوداً على السياسة الاستثمارية لشركات التأمين، حيث أن هذه العقود تلزم شركة التأمين بأن تدفع مبالغ ثابتة مستقبلاً عند تحقق الخطر مقابل قيام المؤمن له بدفع قسط وحيد أو أقساط دورية عند التعاقد.
و يحدد القسط على أساس إمكانية استثماره بمعدل فائدة معين، و بما أن التزام شركة التأمين في عقود الحياة هو التزام طويل الأجل ثابت القيمة و يحدد على أساس استثماره بفائدة معينة و يمكن التنبؤ بواسطة حسابات اكتوارية بغية تقدير التعويضات التي ستدفعها الشركة مستقبلاً. هنا تستطيع شركة التأمين استخدام أموالها في استثمارات طويلة الأجل ذات عائد ثابت لا يقل عن معدل الفائدة المحتسب على أساسه قسط التأمين. و من أمثلة هذه الاستثمارات الأراضي و العقارات و القروض بضمان وثائق التأمين.
العوامل المؤثرة على السياسات الاستثمارية في شركات التأمين
أولا : الهيكل المالي لشركات التأمين
يقصد بالهيكل المالي النسبة بين حجم أموال المساهمين أو ملاك المشروع وحجم أموال حملة الوثائق ، وأن الغالبية العظمى للهياكل المالية لشركات التأمين تتكون من أموال حملة الوثائق ، ويلى ذلك توزيع الهيكل على كل التأمينات العامة حيث تختلف طبيعة التزامات تأمينات الحياة عن التزامات وثائق التأمينات العامة ولكن هذا البعد غير وارد بالسوق المصري حيث لا يسمع بترخيص شركات تأمين مزدوجة النشاط Composite Insurance Companies.
ثانيا : طبيعة التزامات الشركة
لابد من تصنيف التزامات التأمين تجاه حملة الوثائق (أصحاب النصيب الأكبر من الأموال) من حيث التزامات طويلة ومتوسطة وقصيرة الأجل و الطبيعة المتوقعة للاحتياج للسيولة وفقاً لنوع التأمين.
ثالثا : منافسة المؤسساتالمالية الأخرى والاستثمارات المتاحة
بالنسبة لتأمينات الحياة تتنافس شركات التأمين مع المؤسسات المالية الأخري حيث يقارن العديد من العملاء بين عوائد وثائق التأمين و عوائد المؤسسات المالية الأخر ( ربما متجاهلين وجود التغطية التأمينية و تكلفتها) ، ولابد من دراسة هذه الأوجه المتاحة في السوق من ناحية العائد والمخاطرة ، بما لا يؤثر على طبيعة أموال شركات التأمين وتنفرد شركات التأمين ببعض أوجه استثمار خاصة مثل الاستثمار في القروض بضمان وثائق التأمين على الحياة.
رابعاً : التضخم
يؤثر التضخم على السياسة الاستثمارية لشركة التأمين، وخاصة في الالتزامات الطويلة ومتوسطة الأجل ، وعموما الالتزامات التي تطالب فيها شركات التأمينبسداد القيمة الأستبدالية الجديدة خاصة في التأمينات العامة في حالة الإحلال والاستبدال والإصلاح ، وعلى واضعى السياسة الاستثمارية لشركات التأمين أخذ معدلات التضخم السائد في السوق في الاعتبار عند تحديد المحفظة المثلى لاستثمارأموالالشركة.
خامساً : القوانين واللوائح المنظمة لاستمارات شركات التأمين
تحتم السياسة الاستثمارية لشركات التأمين أخذ الإطار التشريعي و التنظيمي و الرقابي في الاعتبار وعدم مخالفته.
رأى الاتحاد
تعد الإدارة الفعالة لوظيفة الاستثمار في شركة التأمين عنصرًا حيويًا في عملياتها ومحددًا رئيسيًا لربحيتها.
وتواجه شركات التأمين تحديات استثمارية متعددة ، بما في ذلك بيئة منخفضة العائد ، وتطورات تنظيمية ومحاسبية ، وزيادة المخاطر النظامية ، لذا يجب على شركات التأمين أن تتبع في إدارة استثماراتها أسلوباً منهجياً منظماً و يساعد هذا النهج المنضبط على تحقيق مهمة الشركة المتمثلة في تحقيق عوائد قابلة للتعديل وفقاً للمخاطر. كما يساعد الشركة على الوفاء بالتزاماتها تجاه جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين: عملاء الشركة و مساهميها و موظفيها و المجتمع الذي تعيش و تعمل فيه .
يجب على شركات التأمين أن تسعى لجعل نشاطها أكثر مرونة من خلال توجيه استثماراتها لدعم النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل من خلال توجيه الأموالإلى المجالات الإنتاجية للاقتصاد الحقيقي . كما يجب أن يتوافق نهجهاالاستثماري طويل الأجل تمامًا مع فكرة بناء المرونة عن طريقدمج المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) بشكل منهجي كعنصر رئيسي في عملية الاستثمار .
أيضاً عليها أن تتبنى نهج الاستثمار المسؤول عن طريق توجيه الاستثمارات نحو دعم الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون. و توجيه جزء من استثماراتها إلى السندات الخضراء. و تخصيص جزءكبيرمنهانحو البنية التحتية للطاقة المتجددة.
كما يوصي الاتحاد المصري للتأمين بضرورة :
- وجود استراتيجية استثمار مكتوبة و مراجعتها من خلال لجنة الاستثمار و مجلس الإدارة.
- يتم تحديد المزيج الأمثل للمحفظة الاستثمارية لا سيما الأصول الاستراتيجية باستخدام التحليل الكمي والنوعي.
- أهمية اتباع القوانين و التعليمات واللوائح والجوء للأوعية الاستثمارية التي تعتبر “أصولًا مقبولة“ من قبل الرقيب.
- يتم اتخاذ مواقف تكتيكية قصيرة المدى إذا تم تحديد الفرص قصيرة المدى بما لا يخالف اللوائح والقوانين.