الأرشيف

شهداء الشرطة.. قصص وتضحيات في سبيل الوطن

:

كتب أحمد سعد

يوم 9 مارس لسنة 1969، تجول رئيس أركان حرب الجيش المصري عبد المنعم رياض فوق الجبهة الممتدة على شاطئ القناة، كأنه يرقب لحظة العبور واسترداد الأرض قبل أن يسقط في قصف مدفعي على موقعه شهيدًا في ساحة الشرف وسط قادته وجنوده، لتعلن مصر أن اليوم هو «يوم الشهيد»، ومنذ ذلك التاريخ ولم تتوقف تضحيات أبناء مصر، وقدموا أرواحهم في سبيل حفظ أمنها وصون أرضها. وفي الطريق إلى ذلك سقط مئات الشهداء من رجال الشرطة والمواطنين العزل في مواجهات مع قوى التكفير والظلم، آخرهم في تفجير الدرب الأحمر، لتنتصر مصر بفضل تلك الدماء الذكية.. «الصباح نيوز» رصدت سيرة شهداء الشرطة.

ساطع النعمانى بطل بين السرايات

يعد العميد ساطع النعمانى، نائب مأمور قسم بولاق الدكرور، درة شهداء الشرطة، ومثالا لرجل الشرطة الوطني تصدى برجاله لبلطجة جماعة الإخوان المسلمين في ذروة اعمال عنفهم، ورفض محاولاتهم لبث الرعب في قلوب سكان بين السرايات في الجيزة، قبل أن يصاب في المواجهات الدامية مع أنصار الإخوان إصابات بالغة ليسافر في رحلة علاج طويلة في الخارج استمرت عاما ونصف، ليعود بعدها لأرض الوطن.

مع هبوطه مطار القاهرة احتفت مصر بالعميد البطل واستقبلته القيادة السياسية بترحاب في حفل تكريم رجال الشرطة حتى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي طبع على جبينه قبلة خلال الحفل في مشهد مؤثر أمام الحضور.

أراد أهالي بولاق الدكرور تقدير دور النعماني وتضحيته بروحه من أجلهم، نظموا فعاليات لاستقباله بمطار القاهرة الدولي، توجه العشرات من أهالي منطقتي بولاق الدكرور وبين السرايات إلى مطار القاهرة، مصطحبين الطبل والمزمار والتف الجميع حوله، حيث استقبله وفد من وزارة الداخلية ونادي الشرطة ورئيسه اللواء محمود فاروق مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة وعدد من قيادات وضباط مديرية أمن الجيزة.

أصيب العميد النعماني في أحداث العنف وفقد على إثرها بصره، لكنه استقبل الإصابة بترحاب ووجه عدة نصائح مؤثرة للشباب بالحفاظ على أمن مصر مهما كانت التضحيات وكان يردد «أنا شهيد وراضي بقضاء الله».

أبوزيد.. عريس إمبابة

«كان إنسان قبل مايكون شرطي، وخدوم وعمره ما استغل منصبه لإيذاء أحد» هكذا أجمع جيران ومعارف أمين الشرطة محمود أبو اليزيد، الذي استشهد في تفجير الدرب الأحمر الإرهابي، خلال القبض على أحد العناصر الإرهابية المتورطة في زرع متفجرات.

«أبو زيد» مثالا للشرطي الأمين والشجاع، وعرف بجرأته الشديدة وكيف كان يقتحم مشاجرات السلاح الأبيض بمنطقته ليفضها بنفسه ويلقي القبض على المتهمين، كان وجوده مبعث أمان لجيرانه وسكان شارعه بحي إمبابة .

الأمين الشهيد كان بارا بوالدته ومتكفلا بطلبات شقيقته، كما اهتم بانهاء الخلافات بين المواطنين بالود، وبلغ من تأثيره أنه دفع تجار مخدرات لترك نشاطهم الإجرامي وتوبتهم عن طريق النصح والإرشاد وكان هولاء التجار ممن شيعو محمود أبو زيد لمثواه الأخير، وكشف بعضهم عن قصة توبته من تجارة المخدرات على يد الشرطي الشهيد.

محمد مبروك.. أسد الأمن الوطني

فجر يوم الأربعاء 18 نوفمبر 2013، وأثناء خروجه من منزله بمدينة نصر، متوجها لعمله في وزارة الداخلية فوجئ الشهيد العقيد محمد مبروك، الضابط بالأمن الوطني، أثناء قيادته لسيارة تابعة للوزارة، بـ7 أشخاص ملثمين يستقلون سيارتين ملاكي أمطروه بـ 12 رصاصة داخل جسده، منها طلقتان بالرأس، وطلقتان بالوجه، و6 طلقات بالصدر، وطلقة بالكتف اليسرى، مما أدى إلى استشهاده على الفور. 

من أهمية وخطورة “مبروك” كضابط أمن يتضح بشاعة الجريمة وإصرار الجناة على اطلاق ذلك الكم من رصاص صوب جسده والتاكد من موته فالشهيد هو الضابط الذي وثق من خلال تحرياته جرائم وخيانة وعنف وتآمر جماعة الإخوان المسلمين من خلال عمله بقطاع الأمن الوطني، كما كانت تحريات مبروك هي محور القضايا التي يحاكم فيها رموز الجماعة الإرهابية وأدينوا بسببها بأحكام وصلت للإعدام،  ولأن الشهيد مبروك هو شاهد الاثبات الرئيس على خيانة الإخوان للوطن وتخابرهم مع عناصر أجنبية فكان القرار بتصفيته بأي شكل من الأشكال.

في يوم استشهاد مبروك اتشحت مصر بالسواد نظرا لكفاءة الضابط التي لاتعوض فضلا عن تضحياته في سبيل الوطن إذ كان ضيفا دائما على اجندةاغتيالات الجماعات الإرهابية  وكان بمثابة الصيد الثمين لهم.

يسري السيد.. الشهيد الحي

من بين كل القصص تبقى قصة تضحية وجرأة الشهيد يسري مصطفى السيد، محل إعجاب وتقدير وفخر للمؤسسة الشرطية المصرية، ووسام على صدر قطاع الأمن المركزي الذي ينتمي إليه.

 يسري السيد أو«الشهيد الحي» كما لقب ظل على سرير المرض فى حالة غيبوبة متأثرًا بإصابته لمدة 3 سنوات كاملة حتى توفاه الله، إثر تلقيه رصاصة غدر من أحد قناصي جماعة الإخوان الإرهابية في أحداث فض اعتصام رابعة العدوية في 14 أغسطس 2013، واخترقت فكه وساقه، مما أصابه بتلف فى المخ وشلل رباعي تام، أفقده القدرة على الحركة والحواس، وكان يرقد فى فراشه، لا يسمع، طوال تلك المدة.

تلقى الشهيد العلاج لمدة عام ونصف العام خارج البلاد بألمانيا، ثم عاد إلى القاهرة مرة أخرى لاستكمال علاجه في مستشفى الدفاع الجوي، لكنه فارق الحياة فى 19 أغسطس 2016، عن عمر 27 عامًا، ليجسد بطولة نادرة لمن يأتي بعده. 

مصطفى عبيد.. منقذ الهجانة

قبيل احتفالات الأقباط بأعيادهم، بساعات تلقت الحماية المدنية بلاغا بوجود جسم غريب أعلى بناية مجاورة لكنيسة أبو سيفين ومسجد بعزبة الهجانة بمدينة نصر،  لتنطلق سيارات لشرطة ومعها الرائد مصطفى عبيد خبير المتفجرات الذي ارتدى بدلة المفرقعات وتقدم بخطوات ثابتة لكنها كانت الأخيرة في حياته إذ انفجرت فيه إحدى العبوات خلال التفكيك ليكون أول شهداء الشرطة في 2019.

يوم وفاته تحدث الشهيد عبيد مع ابنته هاتفيا وحينما ترجت أن يحرص على نفسه وحياته إذ يتعامل مع أدوات الموت قال لها آخر كلمة قبل أن يغلق الهاتف «سبيها على الله»، ليستشهد بعد أن أنقذ منطقة عزبة الهاجنة من دمار مؤكد حال انفجار كل تلك العبوات التي كانت تستهدف الاحتفالات في اليوم التالي.

وحش الطالبية

ظهر يوم الثلاثاء فى اليوم السادس من شهر يناير 2015، خرج الرائد ضياء فتوح إلى مقر عمله بقطاع الحماية المدنية، بالجيزة، مودعا أهله وأسرته الصغيرة، قبل أن يتلقى إشارة بالتحرك عقب ورود بلاغ بالعثور على جسم غريب، أمام قسم الطالبية بشارع الهرم، أسرع الرائد فتوح لارتداء بدلة المفرقعات الواقية، وهو يردد الشهادة في نفسه، فهو يعلم أن الخطأ يساوي الحياة نفسها.

وخلال تقدمه لتفكيك القنبلة مرتديا بدلة المفرقعات الثقيلة، حبس المصريون أنفاسهم ممن كانوا يشاهدون الحدث عن قرب، عقب وصول الرائد فتوح للقنبلة، لكن وقع المحظور وانفجرت بجهاز تحكم عن بعد، كان ممسكا به أحد الإرهابيين المتخفين، ليشاهد المصريون لحظة استشهاد ضابط المتفجرات من خلال مقاطع الفيديو، وشيعته الداخلية والجماهير في جنازة مهيبة.

المرجاوي وطلاب الإرهابية

العميد طارق المرجاوي رئيس مباحث قطاع غرب الجيزة لم يستطع الهروب من القدر عندما كان يتابع الحالة الأمنية بمحيط جامعة القاهرة بعد أن وردت إليه معلومات تفيد باعتزام  مجموعة من طلاب الإرهابية من جامعة القاهرة بالتظاهر علي الفور تم التنسيق مع قيادات المديرية للسيطرة علي التظاهرات.

وعندما قام الشهيد بتفقد الحالة الأمنية سيراً علي الأقدام وأثناء ذلك وقع انفجار هائل بجوار مبني الاستراحة ثم انفجرت القنبلة الثانية التي أودت بحياته بالاضافة الي  إصابة اللواء عبد الرؤوف الصيرفي الذي كان بجواره مصاباً بجروح في الرأس مغشي علّيه من شدة الانفجار والألم.

ومن بين أبطال الشرطة البطل الذي فقد بصره وتشوه وجهه برصاصات قناص إرهابي، وهو العميد ساطع النعماني الذي صعدت روحه إلي بارئها عندماأصابته رصاصات الغدر فأسقطته مصاباً بإصابات بالغة فقد بصره واخترقت أجزاء من وجهه وفكه، كما حدثت به تشوهات كادت تودي بحياته ولكن شاءت ارادة الله ان يعيش حتي لقي ربه.

شهداء تحت الطلب

وأجمع خبراء الأمن أن رجال  الجيش والشرطة مشاريع شهداء وستظل تضحياتهم مستمرة إلي أبد الأبد طالما هناك خونة وإرهابيون.. وأكد اللواء محمد نور مساعد وزير الداخلية الأسبق والخبير الأمني أن رجال المفرقعات وهبوا أنفسهم لخدمة الوطن من خلال هذا العمل مثله مثل أي ضابط شرطة شجاع.

وأشار إلى أنه خلال الفترة السابقة واجهوا العديد من العبوات الناسفة والقنابل ونجحوا في التعامل معها مؤكدا أن الشرطة المصرية بها أفضل الضباط الذين يقدمون أنفسهم فداء الوطن وطالب الخبير الأمني وزارة الداخلية بضرورة  توفير الحماية الكاملة لضابط المفرقعات فبعد الكشف عن وجود متفجرات يجب ان يتم التعامل معها إما عن طريق “الروبوت الآلي” وفي هذه الطريقة يتعامل  ضابط المفرقعات مع العبوة  من خلال الروبوت علي بعد مسافة كافية، والطريقة الثانية  عن طريق مدفع المياه وذلك لمنع وقوع خسائر بشرية بين الضباط.

أما اللواء فاروق المقرحي مساعد وزير الداخلية الأسبق يقول إن رجال الجيش والشرطة يعلمون جيدا أنهم مشروع شهيد لأنهم يدافعون عن الوطن خارجيا ويواجهون الجريمة في الداخل وزاد علي ذلك في السنوات الأخيرة العمليات الإرهابية التي تقوم بها الجماعات وتستهدف الأبرياء، مؤكدا أن هناك عدوا داخليا متواجدا بيننا ويعيش معنا ويأكل من أكلنا ويغدر بنا فهذا الخطر الأكبر الذي نواجهه.. وأضاف المقرحي أن الوعي المتزايد لدي المواطنين والتعاون الكامل مع أجهزة جمع المعلومات يقلل كثيرا من المخاطر التي نواجهها.