الأرشيف

لغز القرار رقم «119» في الإسكان والتعمير

:

كتب هبه زكريا

تلجأ فئة كبيرة من المواطنين في الأونة الأخيرة إلى البحث عن السكن في المناطق الجديدة لما تتميز به من تخطيط وتنظيم ومهشد حضاري بعيداً عن المناطق العشوائية التى تتسم بالفوضى والضوضاء وغيرها من الأمور السلبية.. ولعل انتشار المحال التجارية في العقارات السكنية بدون ترخيص من المشاكل التى تعاني منها معظم المناطق والمدن في مصر، وأصبحت مشكلة أيضا تهدد المدن الجديدة التى يبحث سكانها عن الهدوء والطمأنينة، وعلى الرغم من قرار منع نشاط هذه المحال بالمدن الجديدة إلا هناك البعض يضرب بالقوانين عرض الحائط ، وحتى إن تم غلق هذه المحال أو الورش وتشميعها من قبل الجهاز بحجة المخالفة، ستتم إعادة فتحها مرة أخرى، مما يضطر جهاز المدينة أو الهيئة للموافقة على تقنين هذا الوضع، وهو ما يحول المنطقة إلى غير قابلة للسكن، ويساويها بالمناطق غير المخططة، في ظل غياب لدور الجهات المعنية.

«الصباح نيوز» رصدت في جولة ميدانية مخالفات المحال التجارية في بعض المدن الجديدة بالقاهرة الكبرى.. البداية في مدينة بدر، حيث يكسر المشهد الحضاري للعقارات المنظمة والهدوء التى تتمتع به الشوارع، محال تجارية اسفل المنازل، تبعث ضجيج وعشوائية بشكل يقضى على سبب الإقبال الكبير الذى تشهده هذه المدن الذي يكمن فى مدى الخصوصية والهدوء الذى تتمتع به.

المشهد لم يختلف كثيرا في مدينة الشروق، من حيث انتشار المحال والورش أسفل الوحدات السكنية، بشكل يخالف القانون الخاص بالمدن الجديدة والذي يحظر فتح المحال والورش داخل الكتلة السكنية، ومعظمها غير مرخص.

مصدر رزق

يقول حسين السيد (صاحب محل للمواد الغذائية)، أنه من سكان مدينة بدر، واتجه لفتح محل تجاري بالمنطقة بعدما وجد ان السكان يقطعون مسافة كبيرة لشراء احتياجاتهم الأساسية، فقرر استئجار الدور الأرضي للعقار وتخصيصه كمتجر ليكون مصدر رزق له، وايضا يعود بالنفع على أهالي المنطقة.

ويتابع السيد قائلا إنه يعلم أن القانون الخاص بالمدن الجديدة يمنع وجود محال تجارية داخل العقارات، إلا انه يستطيع العمل بدون ترخيص, ويناشد الدولة بضرورة اتاحة التراخيص للمحال التجارية في مصل هذه المناطق الجديدة لتسهيل الحياة على السكان، وجعل المدينة اكثر حيوية ونشاط تجاري.. ويضيف أن السكان لا يمانعون وجود المحال التجارية كما يقال، ولا تسبب هذه المحال مشاكل وعشوائية لان المكان بطبيعته يتسم بالهدوء، كما أن المحل يختلف عن الورش والمقاهي.

كما يؤكد محمود عبد العزيز (صاحب محل عصائر), أن القانون الخاص بالمدن الجديدة لابد من تعديله بما يتوافق مع مصالح السكان, لأن المدن الجديدة تحتاج إلى إعمار أكثر من الوضع الحالي, فلا يمكن تخيل منطقة سكنية بدون محال تجارية يقضى من خلالها السكان احتياجاتهم اليومية الأساسية, ويضيف أن انتشار المحال لايسبب العشوائيات أو الازعاج, فالجميع يعمل بهدوء, وأن صفات العشوائيات لا تتواجد في المدن الجديدة لان نظام المباني والتنظيم الراقي يمنع ذلك.

ويشدد على ضرورة اتاحة الفرصة لأصحاب المحال والسماح بصدور التراخيص بسعر مناسب، حتى يستفاد الجميع من الأمر, دون الضرر بمصالح السكان واصحاب المحال.

ركود عقاري

توضح «أم هبة»,أحد ساكنى مدينة بدر، أن القرار الذى وافق عليه مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بجلسته رقم 119 على أنه يسمح بتحويل وحدات السكنية التى توجد في الدور الأرضي في المدن الجديدة لوحدات تجارية وإدارية، سيؤدي إلى تحويلها من مدينة جديدة إلى منطقة عشوائية وستتسبب في ركود عقاري لمن يحاول بيع وحدة سكنية في عمارة أسفلها محلات تجارية أو مكاتب.

وتشير أم هبة، إلى أن الاستثمار التجاري في المدن الجديدة وخاصة المولات التجارية سيتأثر بشكل سلبي بهذا القرار، خاصة في ظل ارتفاع سعر المتر التجاري في الأراضي المخططة كمناطق خدمات ومولات، وهو ما سيدفعهم لشراء وحدة دور أرضي وتحويلها إلى تجاري أو إداري والاستفادة بمساحة أكبر تتجاوز مساحة المحلات التجارية المعروفة في المولات، فضلا عن قربها للمواطنين كونها داخل الكتلة السكنية.

ويوضح أحمد محمد, أحد ساكنى مدينة الشروق، أن القرار الذى وافق عليه مجلس إدارة الهيئة المجتمعات العمرانية، سيكون حلقة جديدة من فوضي التخطيط العمراني في مصر، مشيراً إلى أن القرار بمثابة كارثة عمرانية على سكان المدن الجديدة قبل أن يكون ذو أثر سلبي على المخطط العام لها، مؤكدًا أنه لايوجد في مصر قوانين موحدة أو قواعد يلتزم بها، فأنه من خطط المدن الجديدة قام بتخطيطها بشكل معين يتيح الخدمات في مناطق بعينها وباقي المساحات سكنية فقط.

مناطق عشوائية

ويقول أحمد محمد، أن المخطط العام للمدن الجديدة افتقد توافر الخدمات في المناطق المختلفة وهو ما يعتبر أداة وزارة الإسكان لطرح وحدات تجارية وإدارية داخل النسق العمراني للمدن الجديدة بأعلى الأسعار كونها الوحدات المرخصة فقط لأغراض غير سكنية داخل المربعات السكنية، فهذا القرار الذى اتخذته هيئة المجتمعات العمرانية سيفقد المدن الجديدة خصوصيتها، وهى أهم المزايا التى كانت تتميز بها المدن الجديدة عن غيرها من المناطق فى مختلف المحافظات، فالهدف من القرار هو جمع الأموال من المواطنين الراغبين فى تحويل وحداتهم من نشاط سكنى لتجارى من أجل الربح، ولكنه سيعود بالسلب على باقى المواطنين، ويحول المدن الجديدة لمناطق عشوائية ويقلل قيمة العقارات بها.

بالرغم من رفض عدد كبير من مواطنى المدينتين، إلا أن هناك موافق على هذا القرار، بشرط انه يكون لايتعدى على المساحة المخصصة للجرجات هذا أولاً وثانيا انه يتم تنظيمه بشكل منظم بمعنى انه يتم  نشاطات الاماكن تكون مناسبة لسكان المنطقة، اي عدم وجود كافيهات مزعجة كثيرة داخل المناطق الكثيرة مما تسبب ازعاج واضح وصريح لمعظمهم هناك، اويكون مجرد مكان لبيع الخمور والمخدارت فيها، هكذا بدأت ريها أحمد، أحد ساكنى مدينة الشروق حديثها، وتضيف أنه من المفترض عدد المحلات يكون متناسب مع الكثافة السكانية.

وتؤكد ريهام ، أن منطقة سكنية جديدة في حاجة إلى خدمات، فلابد من أن لا تكون الخدمات منعدمة ولا متجاوزة يتم ترتيبها بشكل دقيق ومنظم من جهاز المدنية، مضيفة انه يتم المراقبة على اجهزة المدينة او الاحياء من السلطة الاعلى حتى لايتم تجاوز الصلاحيات المخولة لهم واعطاء الموافقات مقابل أموال او أى رشوة اخرى.

تقنين أوضاع

وعقب السماع لرأى المواطنين في كلاً من مدينتى الشروق وبدر في قرار مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بجلسته رقم 119 على أنه يسمح بتحويل وحدات السكنية التى توجد في الدور الأرضي في المدن الجديدة لوحدات تجارية وإدارية، وإعلان بعض منهم الرفض والبعض الاخر قبولهم لهذا القرار، تحدثنا مع عدد من الخبراء لمعرفة هل هذا القرار صواب أم خطأ؟

ففي البداية يقول الخبير الاقتصادي، رشاد عبده، أنه لابد من تقنين أوضاع الأنشطة التجارية والإدارية التي يتم ممارستها بإقامتها في منشآت سكنية مخصصة للسكن فقط من خلال مجموعة من الضوابط والالتزامات دون الإخلال بأحكام القوانين والقرارات المنظمة لأعمال البناء والمحلات الصناعية والتجارية وأن تكون الموافقة علي تغيير الاستخدام القائم بالأدوار الأراضي والأول او الميزانين فقط من سكني أو خلافه إلي أنشطة تجارية او إدارية.

وأكد أنه لن تنطبق الموافقات علي تعديل الاستخدام وحظرها علي كل ما هو يعد من أنشطة مقامة بالتعدي علي أملاك الدولة لم يكن قد تم تقنين وضعها بصورة قانونية ونهائية, وكذلك الأنشطة المقامة بالتعدي علي أراضي زراعية وأماكن إيواء السيارات الجراجات أو واقعة بمناطق الردود أو الفراغات أو خارج خطوط التنظيم, وكذلك الأنشطة الصادر في شأنها أحكام نهائية تقضي بإزالتها مع حظر الموافقة علي تعديل الاستخدام لنشاط المقاهي وما يشابهها من مسميات, وأن يقتصر التعديل فقط علي الأنشطة غير المقلقة للراحة والغير ملوثة للبيئة والمصرح بتشغيلها طبقا للأحكام والقوانين المنظمة.

ويشير إلى أن هذه المحلات التجارية والادارية تعتبر شيء إيجابي وفي صالح المواطن في المدن الجديدة فهذه المدن تحتاج كل ما هو يجعلها حي, فهناك عدد كبير من المدن الجديدة لايوجد بها محلات ولكن عقب هذا القرار أصبح هناك عدد لا متناهي منها داخل المدن، موضحًا أن مدينة بدر كان يطلق عليها مدينة الاشباح ولكن الان أصبحت مدينة حية بسبب كثرة المحلات فيها، كما أنه يجب على هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بتخصيص حوالى 25 أو 30% للخدمات.

قرار خاطئ

ومن جانبه يوضح الخبير الاقتصادي، فخري الفقى، أن هذا القرار خاطئ ويؤثر على الثروة العقارية وشكل العقارات المخطط لها من قبل جهاز المدينة، فبعض المواطنين يتركون المناطق العشوائية والذهاب للمدن الجديدة أملا في الاستمتاع بالهدوء وكافة الامتيازات التى توجد هناك، ولكن عقب الموافقة على هذا القرار ستصبح المناطق الجديدة أشبه بالمناطق العشوائية، فبالرغم من أن المسئولين يتوقعوا أن هذا القرار يعمل على استقرار المواطنين, إلا ان هذا غير صحيح على الاطلاق.

وأكد الفقي، أنه يجب تدشين حملات مستمرة للقضاء على المحلات التجارية المخالفة التى توجد في كافة المدن الجديدة، خاصة أن هناك عدد كبير منهم غير مرخص بسبب ارتفاع التكاليف الباهظة، ويجب تشكيل لجان متخصصة بكل حي من الأحياء تصدر بقرار من نائب المحافظ, تتلقي الشكاوى من المواطنين بكل ما يحدث من مخالفات داخل المدن الجديدة حتى يتم القضاء عليها بشكل نهائي.